الدليل الثالث: أن الله أراد بهم الخير:
عن ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (?).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (وكل أمة - قبل مبعث نبينا
محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم) (?).
إن الأحاديث في مكانة العلماء كثيرة ونكتفي بهذا القدر، إن الذين يقودون الأمة بغير علم يفسدون أكثر مما يصلحون، وإن العلماء مثل الماء النافع حيثما سقطوا نفعوا، وليس للناس عوض ألبتة عن العلماء إلا أن يكون لهم عوض عن الشمس والعافية، ولا أقصد من كلامي هذا وإطنابي في مكانة العلماء ومنزلتهم في الشريعة أن نقدس ذواتهم وأشخاصهم، فنصبح كبني إسرائيل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
إن الطاعة عندنا، واعتبار العلماء في شرعنا ليس مقصودا لذاته، بل لما قام فيهم من العلم بالله والعلم عن الله عز وجل, وليس سؤال العامي إياهم سؤالا عن رأيهم الشخصي، ولا عن حكمهم الذاتي، بل سؤال عما يفهمون عن الله - عز وجل - عن رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولابد أن ننبه إلى أمر عظيم ألا وهو أن بعض المنسوبين إلى الخير والصلاح اليوم يعتبرون للعلماء منزلة وطاعة في بعض جوانب الحياة، ويرون أن هناك جوانب أخرى ليس للعلماء فيها اعتبار، وإنما الاعتبار لغيرهم من المفكرين أو الساسة أو الدعاة أو قادة الجماعات أو غيرهم, وهذا أمر لا شك أنه غير صحيح، لأن العلماء يفهمون السياسة الشرعية، وأمور الجهاد، والهدنة والمصالح والمفاسد وغير ذلك من الأحكام التي تتناول مظاهر الحياة جميعا.