فَإِذَا رَأَيْنَا كُتُبًا مُودَعَةً فِي خِزَانَةٍ فِي مَدْرَسَةٍ وَعَلَيْهَا كِتَابَةُ الْوَقْفِ وَقَدْ مَضَى عَلَيْهَا مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، كَذَلِكَ وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ بِذَلِكَ لَمْ نَشُكَّ فِي كَوْنِهَا وَقْفًا، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَدْرَسَةِ فِي الْوَقْفِيَّةِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كُتُبُهَا أَوْ فُقِدَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْوَقْفِيَّةُ، وَشُهْرَةُ كُتُبِ الْمَدْرَسَةِ فِي الْوَقْفِيَّةِ مَعْلُومَةٌ، فَيَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِفَاضَةُ فَإِنَّ الْوَقْفَ، يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَيَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ وَيَثْبُتُ مَصْرِفُهُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا رَأَيْنَا كِتَابًا لَا يُعْلَمُ مَقَرُّهُ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ الْوَقْفِيَّةَ فَهَذَا يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي أَمْرِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ، وَهُوَ عَيْبٌ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ الرَّدَّ.
وَفِي الطُّرَرِ لِأَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ فِيمَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ فَوَجَدُوا فَرَسًا فِي الْغَنِيمَةِ عَلَيْهِ مَوْسُومٌ حَبْسٌ لِلَّهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا مِمَّا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْحَبْسِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: مَا وُجِدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يَبْقَى حَبْسًا فِي السَّبِيلِ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمُعَوَّلُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَرَائِنِ، فَإِنْ قَوِيَتْ حُكِمَ بِهَا، وَإِنْ ضَعُفَتْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، وَإِنْ تَوَسَّطَتْ تُوُقِّفَ فِيهَا وَكُشِفَ عَنْهَا وَسُلِكَ طَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ.
هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُعَارِضْ مُعَارِضٌ، فَإِنْ عَارَضَ ذَلِكَ شَيْءٌ نُظِرَ فِيهِ، انْتَهَى.
وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْفَرَسِ الْحَبْسِ.
تَنْبِيهٌ: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يُوجَدُ عَلَى أَبْوَابِ الرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ مِنْ الْأَحْجَارِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا الْوَقْفِيَّةُ وَتَلْخِيصُ شُرُوطِهَا، إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَحْجَارُ قَدِيمَةً وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ مُتَوَلِّي نَظَرِ الْوَقْفِ فِي مَصْرِفِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ كِتَابُ الْوَقْفِ وَذُكِرَ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِصَرْفِ غَلَّتِهِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي يَذْكُرُهَا، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مُتَقَبَّلِ الْحَمَّامِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ حَبْسٌ وَأَقَرَّ أَنَّهُ حَبْسٌ وَذَكَرَ أَنَّ مَصْرِفَهُ فِي وُجُوهٍ عَيَّنَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُقْبَلُ وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ كِتَابُ الْوَقْفِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَحْجَارِ الْمُتَحَقَّقِ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهَا مُعَارِضٌ.