فَإِنْ خَاصَمَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ قَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ لِلْقَرَوِيِّ لِقَرِينَةِ التُّهْمَةِ، إذَا أَشْهَدَهُ فِي الْحَضَرِ وَعَدَلَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُودِ، وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ يَكْثُرُ تَعَدُّدُهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ إذَا ادَّعَتْ الْأَمَةُ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا وَأَنْكَرَ وِلَادَتَهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا الْتَقَطَتْهُ وَلَمْ تَقُمْ لَهَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ رَأَوْا عَلَيْهَا أَثَرَ الْوِلَادَةِ صُدِّقَتْ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا تَغَيَّرَ عَلَيْهَا لَوْنُ الدَّمِ وَرَائِحَتُهُ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا حَيْضَةٌ مُؤْتَنَفَةٌ، وَيُبْنَى عَلَى تِلْكَ الْأَمَارَةِ خُرُوجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ وَحِلُّهَا لِلْأَزْوَاجِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْأَبْكَمِ الْأَصَمِّ وَلِعَانِهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْإِشَارَاتِ الْمُفْهِمَةِ، فَقَامَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ مَقَامَ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ إذَا وَجَبَ حَدٌّ عَلَى صَبِيٍّ وَشُكَّ فِي بُلُوغِهِ أَوْ طَلَبَ حَقًّا يَسْتَحِقُّهُ بِالْبُلُوغِ كَسَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ هَلْ أَنْبَتَ أَمْ لَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَضِيَّةُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقْتُلُونَ مِنْ الصَّبِيَّانِ مَنْ أَنْبَتَ وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْبُلُوغِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، فَذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ وَلَمْ يَخُصَّ زَمَانًا وَلَا شَخْصًا، وَلَا قَيَّدَ الصَّلَاةَ فِيهِ بِفَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِوَقْفِيَّتِهِ.
مَسْأَلَةٌ: ذَكَرَهَا بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَهِيَ جَارِيَةٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ مَا يَقُولُونَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ: يُوجَدُ عَلَى ظُهُورِهَا وَهَوَامِشِهَا كِتَابَةُ الْوَقْفِ، هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِكَوْنِهَا وَقْفًا بِذَلِكَ؟ قِيلَ: هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ.