فَرْعٌ: وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِقَوْلِ الْمُتَرْجِمِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْكَافِرِ وَلَا الْعَبِيدِ وَلَا الْمَسْخُوطِينَ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يُرِيدُ مَعَ وُجُودِ عَدْلٍ وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى تَرْجَمَةِ أَحَدِهِمْ يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ، كَالْحُكْمِ بِقَوْلِ الطَّبِيبِ النَّصْرَانِيِّ فِيمَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ فِي اللَّوْثِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَيَقْسِمُ مَعَهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَصِيَانَةِ الدِّمَاءِ.
فَرْعٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْمِلَ كِتَابَ قَاضٍ إلَى قَاضٍ رَجُلَانِ، فَيَشْهَدَانِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي، وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا الْقَاضِي عِنْدَهُ بِخَيْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلًا بَيِّنًا، أَوْ زَكَّى أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُزَكِّ الْآخَرَ، أَوْ وَسَمَ فِيهِمَا الصَّلَاحَ، وَكَانَ الْخَطُّ وَالْخَتْمُ مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ إجَازَةَ مِثْلَ هَذَا لِتَعَذُّرِ الْعُدُولِ، وَلِمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي صَدْرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ إجَازَةِ الْخَوَاتِمِ.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَإِذَا أَقَرَّ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَسْخُوطٌ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِإِقْرَارِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَيْهِمَا بِالسَّخْطَةِ لَمْ يُرَدَّ الْقَضَاءُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا، وَانْظُرْ أَبَدًا كُلَّ شَاهِدٍ شَهِدَ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ، أَوْ مَسْخُوطٌ بِإِقْرَارٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَلَا غُرْمَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْخُوطُ الْبَيِّنُ الْفَسَادِ الظَّاهِرُ الشُّهْرَةِ الْمَارِقُ ذُو الْجَرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ مَا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ وَيُفْسَخُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَارِقِ الْبَيِّنِ الْفَسَادِ فَلَا يُرَدُّ مَا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ وَيَمْضِي.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ: وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي شُهُودٌ لَا يَعْرِفُهُمْ، فَاعْتَرَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِعَدَالَتِهِمْ جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِمْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُمْ، وَلَا يَقْضِي بِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ عَدَالَتَهُمْ
وَقَالَ أَصْبَغُ: إذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي عَدَالَتَهُ وَلَا جُرْحَتَهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا رَضِيَ الْمُسْلِمَانِ بِشَهَادَةِ الْمَسْخُوطَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَزِمَهُمَا وَلَيْسَ لَهُمَا الرُّجُوعُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ رَضِيَا بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، وَلَوْ رَفَعَا ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا.