مِنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بْنِ الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْعِلْمُ مِنْ الْمُخْبِرِينَ لَا نُرَاعِي عَدَالَتَهُمْ.
وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّوسِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْعَابِدِ فَأَجَابَ بِصِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَشْهَدُ لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَهْلِ حِصْنٍ أَسْلَمُوا، فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ جَائِزَةٌ، وَأَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ.
قَالَ وَأَمَّا الْمُتَحَمِّلُونَ، فَإِنْ تَحَمَّلَ مِنْهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ فَشَهَادَتُهُمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ جَائِزَةٌ إذَا أَسْلَمُوا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ فِي الْعِشْرِينَ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَأَبَاهُ سَحْنُونٌ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ إلَى الْعَدَالَةِ.
قَالَ: وَأَمَّا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ فَلَا إلَّا بِبَيِّنَةِ مُسْلِمَيْنِ، سِوَاهُمْ تَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تُجَّارٍ أَوْ أَسَارَى كَانُوا عِنْدَهُمْ، فَيَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الَّذِينَ شَهِدُوا لَهُمْ عُدُولًا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ مَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُقْنِعِ سُئِلَ مَرَّةً سَحْنُونٌ عَمَّنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَمٍ، فَأَقَامَ شَاهِدًا لَيْسَ بِعَدْلٍ يُحْبَسُ الْمَطْلُوبُ. قَالَ يَتَوَثَّقُ مِنْهُ حَتَّى يَكْشِفَ اللَّطْخَ الَّذِي ادَّعَوْا عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ شَهَادَتِهِ، بَلْ أَوْجَبْت التَّوَثُّقَ وَالْكَشْفَ.
فَرْعٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ فِي مُقَدِّمَةِ تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ: قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ يَجُوزُ قَبُولُ الْمَعْرُوفِ بِالْمَرْأَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي الْعَدَالَةُ، يَعْنِي بِهِمَا الْمُلَازِمَيْنِ لِمَجْلِسِ حُكْمِهِ فَانْظُرْهُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ، قَالَ إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمَحْضَرِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ بِمَحْضَرِهِمَا، قَالَ غَيْرُهُ وَقَدْ اعْتَرَضَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ حَكَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.