فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] فَقِيلَ: مِنْ غَيْرِ قِبْلَتِكُمْ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ، وَقِيلَ إنَّمَا شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْحَضَرِ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فِي الْوَقْفِ فِي قَوْلِهِ: مِنْكُمْ، وَالِابْتِدَاءِ {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 106] فَتَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى هَذَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.

فَرْعٌ: وَفِي الْحَاوِي لِابْنِ عَبْدِ النُّورِ.

وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ عَدْلٌ، سَكَنُوا قَفِصَةً وَيَشْهَدُونَ فِي الْأَمْرِ، لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ مِثْلُ شَأْنِ فَقِيرَةٍ يَتِيمَةٍ لَا وَلِيَّ لَهَا، تُرِيدُ النِّكَاحَ وَلَا يَعْرِفُهَا إلَّا أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى الْعِشْرِينَ، وَقَدْ يَغِيبُ أَحَدُهُمْ فَتَطُولُ غَيْبَتُهُ، وَتُرِيدُ زَوْجَتُهُ فِرَاقَهُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهَا إلَّا أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَهُمْ قَرِيبُ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَمَلُهُمْ؟ وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَكَانِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَدْلٌ؟

فَأَجَابَ إذَا لَمْ تَكُنْ تُهْمَةٌ تَلْحَقُهُمْ فِيمَا شَهِدُوا فِيهِ وَكَانُوا جَمَاعَةً فَيَحْضُرُونَ جَمَاعَتُهُمْ لِمَنْ يَحْضُرُ كَلَامَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ، فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ وَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ سَاكِنَةً لَصَدَّقَهُمْ، وَلَسْت أَعْنِي بِسَاكِنَةٍ أَنَّهُمْ مَائِلُونَ عَنْ الْحَقِّ، أَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا الْحَقَّ بَلْ يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي قُلُوبِهِمْ صِدْقَ ذَلِكَ، وَالْقَطْعَ بِهِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذَلِكَ وَيُشَاهِدُونَهُ، فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حُكِمَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الَّذِي سُمِعَ مِنْهُمْ خَمْسَةً فَأَكْثَرَ، وَأَنْ يَتَّفِقَ ذَلِكَ فَعَسَى أَنْ يُكْثِرُوا مِمَّنْ يَشْهَدُ فِي ذَلِكَ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثُونَ عِنْدِي إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ تُهْمَةٌ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ فَكُلَّمَا أُصِيبَ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ فَحَسَنٌ، فَكُلَّمَا كَثُرُوا كَانَ أَطْيَبُ لِلنَّفْسِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

تَنْبِيهٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّيُورِيُّ يُخَالِفُهُ فِيهِ الْمَازِرِيُّ، وَقِيلَ: سُئِلَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ عَشَرَةِ رِجَالٍ مِنْ عَوَالِمِ النَّاسِ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا شَهِدُوا عِنْدَ عَدْلَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ، فَيَقُولُ الْعُدُولُ تَحَقَّقَ عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ صِحَّةُ الشَّهَادَةِ فَشَهِدَ بِهَا الْعُدُولُ، وَالْعُدُولُ غَيْرُ عَارِفِينَ بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ، فَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَحْكُمَ بِهَا عَلَى مَنْ حَضَرَ أَوْ غَابَ؟ وَالْعَوَامُّ وَالْعُدُولُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَاضِرُونَ فِي الْبَلَدِ، فَأَجَابَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمْلَاءٌ لِمَا اسْتَفْتَيْنَا عَنْ حَاكِمٍ حَكَمَ بِمِثْلِ هَذِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015