وَالثَّانِي أَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ حَلَفَ الْمُوصِي لَهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ حَقٌّ، وَأَخَذَ مَالَهُ فِيهَا بِشَهَادَتِهِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّبَعِ لِجُمْلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ أَيْضًا بِيَسِيرٍ، ثَبَتَتْ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا بِشَهَادَتِهِمَا، وَأَخَذَ هُوَ مَا لَهُ فِيهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرِوَايَةُ مُطَّرِفٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ لِغَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ حَلَفَ الْمُوصَى لَهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَاسْتَحَقُّوا وَصَايَاهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ فِيهَا بِشَيْءٍ يَسِيرٍ أَيْضًا، ثَبَتَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا لِمَنْ سِوَاهُمَا، وَأَخَذُوا وَصَايَاهُمْ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ فَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ لَمْ يُوصِ لَهُ فِيهَا بِشَيْءٍ، ثَبَتَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا لِمَنْ سِوَاهُ، وَحَلَفَ مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ فَاسْتَحَقَّ وَصِيَّتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إنْ كَانَ مَعَهُ شَاهِدٌ غَيْرُهُ، فَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَيَأْخُذُ مَا لَهُ فِيهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُهُ أَيْضًا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ، وَيَأْخُذُ مَا لَهُ فِيهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَاهِدٌ غَيْرَهُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَلَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ وَيَحْلِفُ غَيْرُهُ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَيَسْتَحِقُّ وَصِيَّتَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ هُوَ شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ لِلشَّاهِدِ كَثِيرًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ عَلَى قِيَاسِ أَصْبَغَ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فِي الْعَبْدَيْنِ يَشْهَدَانِ بَعْدَ عِتْقِهِمَا، أَنَّ الَّذِي أَعْتَقَهُمَا غَصَبَهُمَا مِنْ رَجُلٍ مَعَ مِائَةِ دِينَارٍ، أَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُوزُ فِي الْمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي غَصْبِ رِقَابِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يُرِيدَا إرْقَاقَ أَنْفُسِهِمَا، وَلَا يَجُوزُ لِحُرٍّ أَنْ يُرِقَّ نَفْسَهُ. وَيَقُومُ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّ بَعْضُهَا لِتُهْمَةٍ جَازَ مِنْهَا مَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُشْهِدَ الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ لَفْظًا بِغَيْرِ كِتَابٍ، فَيَقُولَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، لِأَحَدِ الشُّهُودِ، فَلَا يَخْلُو