مَسْأَلَةٌ: وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِمَا دُونَ الْقَذْفِ مِنْ الشَّتْمِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ مَعَهُ لَكِنْ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّفَهِ، فَأَثْبَتَ التَّعْزِيرَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مَعَ قَرِينَةِ السَّفَهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَحْلِفُ الْمَشْتُومُ مَعَهُ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: يُحْبَسُ الشَّاتِمُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ بِشَاهِدَيْنِ، أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ تَحْدُثُ بِشَهَادَتِهِ أَحْكَامٌ ذَكَرْنَا هُنَاكَ بَعْضَهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا لِمَنْ تَتَبَّعَهَا.
فَرْعُ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ: أَمَّا شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَاللَّفِيفِ مِنْ النَّاسِ، أَنَّ رَجُلًا سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَيَجْتَهِدُ فِي أَدَبِهِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ، وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ عَنْهُ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى قَتْلِ الْغِيلَةِ، وَلَمْ يَجِدْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَدْفَعًا فِي الشَّاهِدِ، فَاَلَّذِي أَجَابَ بِهِ الْفُقَهَاءُ وَشُيُوخُ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرُونَ: بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا، وَاَلَّذِي نَأْخُذُ بِهِ وَنَخْتَارُهُ، أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَلَكِنْ إنْ أَخَذْت بِمَا قُلْنَاهُ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا مِنْ تَارِيخِ الضَّرْبِ، وَتُرْجَأُ الْحُجَّةُ لِلدَّمِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ فَيُنْكِرُ سَيِّدُهَا فَتُقِيمُ شَاهِدًا عَدْلًا بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الرَّجُلِ يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ أَصْلًا، أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إلَّا بِشَاهِدٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، فَلَا تَتَوَجَّهُ لَهَا عَلَيْهِ يَمِينٌ إلَّا بِشَاهِدٍ عَدْلٍ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ يُوقَفُ لِلْمُدَّعِيَةِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَتَتَبُّعُ ذَلِكَ يَطُولُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: إذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي شَيْءٍ، كُلُّ وَاحِدٍ يَظُنُّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ كَالشَّيْءِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ، فَيَسْأَلَانِ الرَّجُلَ يَفْزَعَانِ إلَيْهِ فِي عِلْمِهِ فَيَشْهَدُ أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَلْزَمُهُمَا، وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ مَسْأَلَةَ الرَّجُلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِ الشَّيْءَ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: قَدْ رَضِيتُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ بَيْنِي وَبَيْنَك، فَيَشْهَدُ الرَّجُلُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَقُولُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: ظَنَنْت أَنَّك تَقُولُ الْحَقَّ الَّذِي تَعْلَمُ أَنَّهُ الْحَقُّ، فَأَمَّا إذَا شَهِدْت عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَلَا أَرْضَى بِذَلِكَ، فَذَلِكَ لَهُ وَالشَّهَادَةُ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لَيْسَ مَعَ أَحَدِهِمَا يَقِينٌ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ، وَقَدْ رَضِيَا بِعِلْمِ