الرَّجُلِ وَشَهَادَتِهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَدَّعِي تَحْقِيقَ مِلْكِهِ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِيهِ فَافْتَرَقَا، وَوَافَقَ ابْنُ دِينَارٍ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ: لَا تَنْفُذُ شَهَادَتُهُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ، مَا لَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ، فَإِذَا حَكَمَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ: فِي الْوَاضِحَةِ لِلَّذِي رَضِيَ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشَّاهِدُ، فَإِذَا شَهِدَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ مِنْهُ بِمَا قَالَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّشْكِيكِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ فُلَانٌ يَعْرِفُ هَذَا وَيَشْهَدُ بِهِ، فَيَقُولُ الْآخَرُ اشْهَدُوا إنْ قَالَهُ فُلَانٌ فَقَدْ رَضِيتُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ مَا ظَنَنْته أَنْ يَقُولَ هَذَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ نُفُورِهِمَا إلَيْهِ لِأَجْلِ عِلْمِهِ بِالْمَشْهُودِ فِيهِ، فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْجِهَادِ: مَنْ فَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، إذَا كَانَتْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي قَبُولِ ذَلِكَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ السَّلَبَ إلَى أَبِي قَتَادَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُحْلِفْهُ» ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْمَالَ، وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْقَتْلَ، وَهُوَ حُكْمٌ فِي الْبَدَنِ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْوَاحِدِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْبَلُ قَوْلُ التَّاجِرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ. مِثَالُ الْقِيمَةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ، كَتَقْوِيمِ الْعَرَضِ الْمَسْرُوقِ، هَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ إلَى النِّصَابُ أَمْ لَا؟ فَهَاهُنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ ثَلَاثَةِ أَشْبَاهٍ، شَبَهُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيِّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَبَهُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ كَذَلِكَ، وَشَبَهُ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ وَالْحَاكِمُ يُنْفِذُهُ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ.