ومن الفوائد في هذا الباب: أنه قد وقع نسخ الفعل قبل وقوعه، حيث وجد في النقل الصحيح نسخ حكم شرعي قبل أن يعمل به.
فمما وقع من ذلك في السنة: الصلوات الخمس، فإنها فرضت في أول الأمر خمسين صلاة، ثم ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى أصبحت خمساً، فنسخ منها خمس وأربعون صلاة، فهذه نسخت حكماً قبل أن يصليها الناس، أي: قبل الفعل، ومما وقع في القرآن ما جاء في قصة إبراهيم؛ فإن الله جل وعلا فدى إسماعيل، ونسخ الحكم بتكليف إبراهيم بقتل إسماعيل قبل أن يقتل إبراهيم إسماعيل، فقال الله جل وعلا: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:104 - 107].
فالذبح العظيم وقع نسخاً لذبح إسماعيل، مع إن إبراهيم لم يذبح ابنه.
إذاً: فما الحكمة من نسخ الحكم قبل وقوعه؟
و صلى الله عليه وسلم لحكمة هي حصول التسليم والامتثال في قلب المؤمن، وقد وقع من خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام الاستسلام والانقياد والخضوع لكلام الرب جل وعلا وأمره، وهم بأن يذبح ولده، ولم يبقَ له إلا إراقة دمه، ولكن الله جل وعلا نسخ هذا الحكم قبل وقوعه.
ومسائل النسخ من أعظم ما يمكن أن يتعلم به كتاب الله، ويستطيع الإنسان أن يفسر القرآن ويعرفه حين يعرف أحكام الناسخ والمنسوخ في كلام الرب جل وعلا.
ومن القرآن ما ينسخ حكماً ويبقى تلاوة، ومنه ما ينسخ تلاوة ويبقى حكماً، ومنه ما نسخ تلاوة وحكماً.