تفسير قوله تعالى: (أم لهم إله غير الله)

قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} [الطور:43] وهذه الجملة أجاب الله تبارك وتعالى عنها، ونزه الله تبارك وتعالى ذاته العلية عن أن يكون له شريك أو أن يكون له ند، أو أن يكون له نظير، أو أن يكون هناك من يدبر الأمر ويصرفه غيره جل وعلا، فقال تبارك وتعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] والمؤمن لا يفزع قلبه لشيء أعظم من فزعه من أحد يُتَّخذ من دون الله تبارك وتعالى إلهاً ورباً، ويُدعى أو يُرجى أو يُهاب أو يُخاف من غير الله، أو من شخص يتوسل إلى أحد يظن أن بيديه نفعاً وضراً، أو أن يكون في قلبه رجاء أناس يحب أن يكثروا ويجعلهم أحب إلى قلبه من حب ربه تبارك وتعالى، أو خوف قوم لبطشتهم أو همزهم أو لمزهم أكثر من الله.

فالمؤمن الحق ليس في قلبه أحد يهابه، ويخافه، ويرجوه، ويؤمل فيه، ويعتمد عليه، ويتوكل عليه، ويؤمن به، ويستعين به، ويستغفره ويرجوه لرهبته ويرجوه لرغبته غير ربه تبارك وتعالى، فالله لما ذكر هنا في رده على أهل الإشراك في قوله: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} [الطور:43] لم يقل الله: ليس لهم، بل جاء بإجابة أعظم، فقال الله تبارك وتعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] فنزّه الله ذاته العلية عن أن يكون له شريك، ولهذا كان التوحيد من أعظم ما ينجي العبد يوم القيامة، فمن عظم توحيده عظمت نجاته يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق يُنشَر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، فيقول له الرب: أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله له: أتنكر مما ترى شيئاً؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله جل وعلا: إن لك عندنا بطاقة، فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فيقول: يا رب! وما تغني هذه البطاقة أمام هذه السجلات؟! فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة) قال صلى الله عليه وسلم: (فرجحت البطاقة وطاشت السجلات، ولا يثقل مع اسم الله جل وعلا شيء).

قال العلماء: وهذا عبد ملئ قلبه توحيداً لله وخوفاً ورجاءاً ومحبة منه مع معاصيه، جعلنا الله وإياكم ممن يملأ قلبه بتوحيد ربه تبارك وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015