وقد بين الله جل وعلا قسمة الغنائم فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال:41].
إن حب المال أمر فطرت عليه النفوس، فالله يقول: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:20]، وقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8]، والخير هنا هو المال؛ إذ الكلام هنا عن الإنسان، ولا يعقل أن كل الناس تحب الخير والمعروف الذي هو ضد الشر.
ولذلك لما علم الرب جلا وعلا أن النفوس جبلت على حب المال، وكان المال الذي يأتي للمسلمين على ثلاث طرق تولى الله جل وعلا بنفسه تقسيمها ولم يكلها إلى أحد، ولا إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: وتلك الطرق هي الميراث، والغنيمة في الحرب، والصدقات التي هي الزكاة، وأما الجزية والنفل فيدخلان في الغنيمة.
فهذه كلها تولى رب العالمين تقسيمها، فقسم جل وعلا المواريث وأعطى كل ذي حق حقه، وقسم جل وعلا الغنائم فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال:41] إلى آخر الآية، وجاء إلى الزكاة الشرعية فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
فهذه الثلاث هي: المصادر المالية، ولم يكل الله تقسيمها إلى أحد، وتولى جل وعلا تقسيمها بنفسه؛ لعلمه تبارك وتعالى بحب الناس للمال، جعلنا الله وإياكم ممن كان المال في يده وليس في قلبه.
والذي يعنينا أن الله جل جلاله تولى قسمة الغنائم، فجعل الخمس لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وقد اختلف العلماء في التقسيم، ونختار قول مالك رحمه، وهو أنه يُسنَد أمرها إلى الإمام فيعطي القرابة ما يراه مناسباً لهم، ويقسم الباقي، فيجعل للمجاهدين الذين معه بحسب ما يراه مناسباً، وقال: إن هذا فعل الخلفاء الأربعة من بعده صلى الله عليه وسلم.