ثم ذكر الله جل وعلا خطاباً موجهاً لأهل الكفر خاصة على هيئة أسلوب استفهامي إنكاري توبيخي فقال سبحانه: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة:28].
ويتحرر من هذا أن الموت موتان، والحياة حياتان، فالموت الأول المقصود به العدم قبل الخلق، قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:1]، والحياة الأولى: هي نفخ الروح في الجنين في بطن أمه، وهي الحياة التي نعيشها الآن، والموت الثاني: مفارقة الروح للجسد، والحياة الثانية: عودة الروح إلى الجسد، وهذا ينجم منه أن الروح لا تموت، وإنما موتها خروجها من الجسد، فالروح تخرج من الجسد بعد أن تكون قد دخلت فيه، ودخول الروح إلى الجسد ليس وضعاً اختيارياً لها، فلا يوجد إنسان اختار جسده، ولا جسده اختار روحه، ولكن يحصل مع الأيام تآلف بين الجسد والروح، فإذا جاء نزع الروح يكون ذلك صعباً على الإنسان لما وجد من تآلف بين البدن والروح، ولذا قيل: هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع هبطت على كره إليك وربما كرهت فراقك وهي ذات توجع يعني: يصيبها توجع وتمنع عندما تريد أن تفارقك.
فقول الله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] المقصود به أن من كان ولي هذا وربه وهو القادر عليه وجب ألا يكفر به، فمن كفر به استحق التوبيخ والإنكار.