والمفر من هذا كله أن يعتصم الإنسان بكلمة المسلمين، وأن يلزم طاعة ولي الأمر، وأن يعلم أن يد الله جل وعلا مع الجماعة، وأنه من خرج عن الإمام قيد شبر مات ميتة جاهلية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصبر، وأمر بأمور عدة تقوى بها شوكة الإسلام.
والتفاف بعض الناس على بعض وكونهم متحدين متفقين على إمام واحد، أغيض للعدو، وأعظم لإقامة شرائع الله وحدوده، والكمال عزيز، والنقص موجود، لكن لا يسدد مثل ذلك إلا بالتناصح والتشاور والسمع والطاعة في غير معصية الله تبارك وتعالى.
والمقصود من هذا بيان أن الله جل وعلا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بين كثيراً من الأمور التي يسترشد بها العاقل، ويستنير بها المؤمن، ويتقي بها البصير، ويعرف بها الجميع الطريق الموصل إلى الله، وهذه مزية أهل العلم على غيرهم، وهي أنهم يعلمون من كتاب الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ما يثبت الله جل وعلا به أفئدتهم، ويهديهم به إلى صراط مستقيم.
لذلك قال الله بعد هذا كله {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام:65].
ولا ريب في أن الله فصل الآيات، وأبان لعباده طرائق الحق والطريق المستقيم، وأوضح ما يقرب منه، وما يدل عليه، وما يرشد في أمر الدين وأمر الدنيا، ولكن الناس يتفاوتون في مقدار العلم، وأهل العلم يتفاوتون في مقدار الأخذ بالعلم، والسمع والطاعة لله، والعمل بما يعملون، فكم من إنسان حافظ للقرآن متدبر له، ويعلم معانيه ومواطن نزوله وناسخه ومنسوخه، ولكن لا يعمل به، ومنهم من أضله الله على علم، فيقرأ ويأخذ، ولكنه لا يستفيد منه في واقع الحياة شيئا، وهذه رحمة من الله وفضل يؤتيه الله من يشاء، ومن أخلص لله النية، وصدق مع الله بلغه الله مناله، وأعطاه مراده، فنسأل الله جل وعلا لنا ولكم التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله.