قال الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [النساء:163]، والزبور في اللغة: الكتاب المجموع بعضه إلى بعضه، وهو الكتاب الذي أنزله الله جل وعلا على داود، وقلنا: إنه مواعظ وحكم.
وأذكر هنا فائدة أدبية لأريك الفرق بين الناس، وهي أن الفرزدق أبو فراس الشاعر الأموي كان من أهل الفسق، فجاء ذات يوم إلى مسجد يقال له: مسجد بني زريق في الكوفة، وهذا المسجد كان يجلس عنده الشعراء ينشدون الشعر، فذكر رجل شعراً لـ لبيد بن ربيعة، لبيد له معلقة يقول فيها: عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها وفيها بيت يقول: وجلا السيول عن الطلول كأنها زبر تجد متونها أقلامها أي: أن السيل عندما يأتي يمسح الوادي، فكأنه يعيد كتابته من جديد، فهذا الشاعر كان واقفاً يتكلم، فمر الفرزدق فسمعه يقول: وجلا السيول عن الطلول كأنها زبر تجد متونها أقلامها فسجد الفرزدق، فلما رفع رأسه قالوا: ما هذا يا أبا فراس؟ قال: أنتم تعرفون جيد القرآن فتسجدون وأنا أعرف جيد الشعر فأسجد له.
فهذا أمر يبين لك أن عقلية الناس تختلف من شخص إلى شخص، فـ الفرزدق لا ينقصه ذكاء، وإلا فلن يقول ذلك الشعر، ولكن لا يوجد له قلب يتعلق بالآخرة.
وكلما كان قلبك أخروياً ربطته بالآخرة، فقد روي أن سليمان بن عبد الملك خرج ومعه عمر بن عبد العزيز واضعاً يده في يد أمير المؤمنين سليمان يمشيان فحصل رعد وبرق، فانتفض سليمان، فلما رأى البرق والرعد قال عمر: يا أمير المؤمنين! هذا صوت رحمته، فكيف بصوت عذابه؟! فربط -رحمه الله تعالى- المسألة بالآخرة مباشرة.
فأنت تلقي الكلام وتلقي الخطاب ويختلف حال السامعين من زيد إلى عمرو؛ لأن الناس يتفاوتون في إدراك الأشياء بحسب قلوبهم.