حكم التعامل مع المرابي بيعاً وشراءً

وينجم عن الآية مسألة لها وضع خاص في عصرنا، وهو أن اليهود أكلة ربا بنص القرآن، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا} [النساء:160 - 161]، وهذا كلام رب العالمين، ومع ذلك ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى شعيراً من يهودي وليس عنده مال، فرهن درعه صلوات الله وسلامه عليه عند اليهودي بعد أن اشترى منه.

فالنبي عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود بيعاً وشراء رغم أنهم أكلة ربا، فينجم عن هذا أنك إذا سئلت: هل يجوز التعامل مع البنوك الربوية بيعاً وشراء؟! فتجيب بأن: نعم؛ لأن اليهود كانوا أكلة ربا، والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى منهم وباع منهم وقبل هداياهم، ما لم تعلم أن عين ما تتعامل به محرم، فلو رأيت إنساناً يسرق سيارة أمام عينيك ثم أراد أن يبيعك إياها فلا يجوز لك شراؤها.

ولكن لو أن إنساناً اشترى من أي بنك بماله شراء شرعياً فالبيع جائز باتفاق المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود، ولأن الله قال في كتابه -وهو يعلم أن اليهود حرفوا والنصارى كذلك-: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5]، ولن يكون طعامهم حل لنا إلا بالشراء؛ لأن طعامهم لا يؤتى به لنا على شكل هدايا، فلا بد من أن تشتريه، فأباح الله لنا أكله، فإذا أباح لنا أكله فمن باب أولى أن يبيح شراءه.

وهذه المسألة نحتاج إليها كثيرا في العصر، وقد عنون الإمام البخاري في الصحيح (باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب)، وساق حديثا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم في سفر له اشترى قطيع غنم من رجل مشرك، فهو عليه الصلاة والسلام كان خارج المدينة في حرب مع أهل الشرك.

فلو جئنا إلى ما يسمى اليوم المقاطعة فلا شك في أن المقاطعة -إذا أراد بها الإنسان قطيعة من يعين أهل الباطل وتعبد الله- بها قربة يثاب عليها بلا شك، ونحن لا نتكلم عن القربة، وإنما نتكلم عن صحة البيع وصحة الشراء، والأشياء تنزل على منازلها، ولكن الكلام بالحل أو بالحرمة توقيع عن رب العالمين، قال ابن القيم، والكلام عن رب العالمين بالحل والحرمة لا بد فيه من أن يكون على بينة، وهدي من الكتاب والسنة، ولا علاقة للعواطف به، ولن تكون أعظم ورعاً من رسولنا صلى الله عليه وسلم، فاليهود يقول الله عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]، ويذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليشتري من يهودي رغم أن أسواق المدينة مليئة بمن يبيعون الشعير، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين للأمة جواز البيع.

وإذا جرنا الكلام إلى قضايا العصر فيحسن تناول قضية الاقتراض من البنوك، فالاقتراض بفائدة لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه حرام بإجماع المسلمين، ولكن البنوك أحياناً تقول: إذا اقترضت إلى ثلاثة أشهر ورددت القرض فإنا لا نطلب منك فائدة، فإذا لم تستطع ردها أخذنا منك فائدة، وهذا حكمه كالأول سواء بسواء، فمجرد توقيع العقد -ولو كنت قادراً على السداد قبل نهاية العقد- يعتبر عقداً ربوياً يدخل في اللعن الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه.

فالتعامل مع البنوك بقرض أو إيداع الأموال عندهم لتعود إليك بفائدة هو من الربا الملعون صاحبه على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم، والمحرم في كتاب الله وسنة نبيه وإجماع المسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015