والربا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ربا الفضل.
والقسم الثاني: ربا النسيئة.
والقسم الثالث: ربا القرض.
فالفضل في اللغة: الزيادة، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم الأصناف الربوية، فقال عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين وغيرهما-: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
ومعنى الحديث أن هذه الأصناف الربوية من مكيل وموزون ما كان منها مطعوماً يدخله الربا.
ومثال ذلك أن يأتي إنسان بثلاثة كيلو من التمر, وآخر معه أربعة كيلو من التمر، والتمر صنف ربوي، أي: يدخله الربا، وليس معنى أنه ربوي أنه محرم.
فهذه الأربعة الكيلو زيادة على الثلاثة، فلا يصح التبادل بأن يقول: أعطني هذه وأعطيك هذه، ولو كان أحدهما أفضل من الآخر، فهذا لا يجوز، وإذا وقع فهو ربا فضل، أي: زيادة؛ لأنهما اتفقا في الصنف واختلفا في الزيادة، فهذا معنى ربا الفضل، وهو محرم.
وأما ربا النسيئة، فإن معنى النسيئة: التأجيل والتأخير، قال سبحانه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37] أي: التأجيل زيادة في الكفر.
ويقع ربا النسيئة بأن يكون هناك صنف ربوي مع صنف ربوي آخر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم)، ولكنه قال: (يداً بيد)، وفي ربا النسيئة يلغى قوله: (يداً بيد) فيؤخر واحد عن الآخر.
ومثال ذلك في الدولار والريال السعودي، فالمائة الدولار تساوي ثلاثمائة وخمسة وسبعين ريالاً سعودياً.
فالدولار يعتبر صنفاً، والريال يعتبر صنفاً، فلو قايضتهما ببعضهما فإنه يجوز لك الزيادة؛ لأن الصنفين مختلفين، فالدولار غير الريال، ولكن كلاهما صنفان ربوي.
ويدخل ذلك ربا النسيئة حين تأتي إلى الصراف فتقول: سأبيعك خمسمائة ريال سعودي، ولكني أريد أن أسافر، فأعطني مائة دولار أمريكي، فيعطيك مائة دولار، ولا تعطيه الخمسمائة، فهذا ربا النسيئة، وهو محرم.
ولكن إذا أخذت المائة وأعطيته الخمسمائة، أو دونها أو فوقها -كيفما اتفقتما في الحال- يداً بيد فليس هذا رباً؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بي) يعني: كله ناجز ولا يباع ناجز بغائب واضح والقسم الثالث: وربا القرض، وهو أصل الربا، وهو الذي كانت تتعامل به العرب في الجاهلية، وهو داخل في ربا الفضل والنسيئة، ولكن ميزناه ليتضح، كأن يأتي إنسان فيقرض إنساناً شيئاً، ثم يشترط عليه منفعة مقابل هذا القرض، وأكثر ما يقع في الأموال، كشخص يأتي إنسان يطلب منه مالاً فيعطيه عشرة آلاف ريال إلى ثلاثة شهور، فتنتهي المدة فيأتي الدائن إلى المدين يطلب دينه فيقول: لا أملك، فيقول: إما أن تأتي بها في الحال، وإما أن أؤخرها إلى شهر على أن تردها لي أكثر من عشرة آلاف ريال ولو ريالاً واحداً، فهذا يسمى ربا قرض، وهو الذي قال الله فيه: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)، وقال (هم سواء) أي: هم في الإثم سواء، أخرجه مسلم من حديث جابر، وأخرجه البخاري من طريق آخر، ولكن المعنى في الصحيحين.
وينجم عن ربا القرض مسألة تسمى عند العلماء قلب الدين، وهو من كبائر الذنوب، وقلب الدَّين مثاله في إنسان يعطي إنسانا قرضا ألف ريال، ويقول إلى شهر، ثم جاء بعد شهر وليس عند مدينه ألف ريال، وهو رجل مستور الحال، والذي يجده شيء لا ينفك عن قوته تقوم به حياته، كسيارة يذهب بها ويغدو على قدر مستواه الاجتماعي، وبيت صغير يسكنه، في أشياء خاصة لا يمكن أن يستغني عنها فقير ولا غني، فيأتي هذا الذي له المال إليه ويقول له: بعني هذا لشيء خاص عند هذا الرجل يحتاجه، فيأخذ الشيء الخاص، ويعطيه ألفاً، ثم يقول له: الآن رد لي الألف الذي لي عندك.
فهذا يسمى قلب الدين، وهو من كبائر الذنوب كما نص عليه العلماء، ونقل عن العلامة عبد الله بن بسام رحمه الله تعالى عن شيخه عبد الرحمن بن سعدي القول بأنه من كبائر الذنوب.
فهذه أصناف الربا، وكلها محرمة، ولا يوجد أحد - ولله الحمد - فيما نعلم من علماء المسلمين أباح الربا في أي قطر كان، وحين تسمع أن أحداً أباح الربا من علماء المسلمين فلا تصدق، فهذا ليس بعالم، فلا يوجد أحد يتجرأ على أن يبيح الربا، وقد تفهم أنت المسألة خطأ، والربا لا يحتاج إلى أن تقول فيه: مسألة خلافية، بل الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.