قال الله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:157 - 158].
هذه الآية تقودنا إلى الحديث عن النصارى كما تحدثنا عن اليهود، وتفصيل ذلك أن نقول: ولد عيسى ابن مريم، فحملته أمه وأتت به الملأ من بني إسرائيل فأنكروه {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم:27]، فأشارت إليه فأنطقه الله في المهد {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم:30]، وما اختلف الناس في رجل كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وبعد النبوة أخذ يدعو إلى ربه، فأسلم على يديه أقوام سموا في القرآن بالحواريين، وهم خاصة أصحابه عليه الصلاة والسلام، ثم لما ظهر أمره خاف خصومه وأعداؤه من اليهود فتآمروا على قتله، فبعضهم كان يعرفه بعينه، وبعضهم كان يعرفه باسمه، فلما أجمعوا أمرهم على قتله أخذوا معهم شخصاً يدلهم على مكانه، فلما دخلوا عليه ليقتلوه رفعه الله جل وعلا إليه، وألقى شبهه على غيره، مع اختلاف بين العلماء فيمن ألقي عليه الشبه، فقيل: إنه عبد من الحواريين صالح ألقى الله عليه الشبه، وقيل: إن الرجل الذي دلهم عليه -وهو يهوذا عند بعض المفسرين- هو الذي ألقى الله عليه شبه عيسى، فقتله اليهود ظناً منهم أنه عيسى.
وجملة الأمر أن الله جل وعلا شبه لهم شخصا غير عيسى، ورفع عيسى إلى السماء كما قال ربنا في صريح القرآن: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]، واختلف اليهود في هذا الذي شبه، فلما أخذوه قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟! وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟! فأخذوه وصلبوه وقتلوه اعتقاداً منهم أنهم ينتقمون منه! وكان هذا في بيت المقدس في المكان المسمى اليوم كنيسة القيامة التي تعظمها النصارى، ثم رفع عيسى إلى السماء.
فالله جل وعلا يقول: إن اليهود تزعم أنها قتلت عيسى، فأنكر الله ورد على اليهود قولهم: إن عيسى قتل أو صلب بأن الله رفعه إليه، فهو حي جسداً وروحاً في السماء الثانية، كما قابله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وسينزل أمارة وعلامة من علامات الساعة.