ذلك هو أول ما دلت عليه الآيات، وقد دلت الآيات أيضاً على صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما أن في قوله جل وعلا: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:23] بيان أن مقام العبودية أرفع مكان وأجل منزلة، وكلمة (عبد) تأتي في الشرع لثلاثة معان: الأول: العبودية بمعنى القهر، وهذا يستوي فيه المؤمن والكافر، فكل الناس المؤمنون والكافرون عبيد لله، والدليل: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:93]، هذه عبودية مطلقة يستوي فيها المؤمن والكافر والملائكة والجن والإنس.
الثاني: العبودية في الشرع، وهي ضد كلمة: (حر) قال الله جل وعلا: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178]، وهذا الذي يُستَرقُ في الجهاد ويؤخذ كأسير بصرف النظر عن لونه، فيسمى عبداً في الشرع، الثالث: العبودية بالطاعة والاتباع، وتنقسم إلى قسمين: الأول: طاعة لله، وهذا الأمر الذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون.
الثاني: عبودية لغير الله أعاذنا الله، وهذا الأمر بابه واسع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم)، أي: الذي يطيع هواه، ويطيع ديناره، ويطيع درهمه.
فتحرر أن العبد ثلاثة أقسام عبد مقهور، فكل الناس في هذه العبودية سواء، ودليلها قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:93]، وعبد بالشرع، ودليل ذلك قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178]، وعبد طاعة وتنقسم إلى قسمين: طاعة لله، وهذا هو الأمر الواجب شرعاً، وهو الذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون، وعبد لغير الله عياذاً بالله، وهو عبد الهوى، وعبد الدينار، وعبد الجمال، وعبد الدرهم، وعبد لأي شيء، وهذا مصيره الضلالة والخسران.