واختلف الناس في كون العرب لم تستطع أن تأتي بمثل هذا القرآن؟ فقيل: لإعجازه في ذاته، وهذا هو الذي لا ينبغي أن يقال بغيره.
وقيل: لمفهوم الصرفة، والصرفة مسألة بلاغية لا نحب أن نطيل فيها، ولكن نقول: قالها رجل معتزلي اسمه: إبراهيم بن سيار النظام، قال: إن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لكن الله صرفهم -لحكمة أرادها- عن أن يأتوا بمثله.
وهذا قول باطل خالفه فيه العلماء حتى مشايخ المعتزلة، فقد أجمع المسلمون على أن العرب عجزت على أن تأتي بمثل هذا القرآن لنظمه لأمور عديدة لا تحصى، ومن أراد أن يرجع إلى هذه المسألة فليرجع إلى كتاب اسمه: (النبأ عظيم) لرجل عالم اسمه: محمد عبد الله دراز، من أئمة الدنيا له قدرة بلاغية عظيمة، ولكنه مات قبل أن يكمل الكتاب، ولكن الكتاب يطبع ويباع كثيراً.
وهذا الكتاب مزيته الكبرى أن الرجل أعطاه الله جل وعلا بلاغة وفصاحة عز نظيرها وقل مثيلها، فمن أراد أن يستزيد في البيان والقدرة على الكتابة والقدرة على الخطابة فليكثر من القراءة في هذا الكتاب، فهذا الكتاب ألهم الله جل وعلا كاتبه رحمه الله تعالى قدرة بيانية يعجز الناس في هذا القرن كثيراً عن أن يأتوا بمثلها، وله أسلوب غريب وعجيب في أنه يتأسى بالقرآن كثيراً، فلما ذكر قضية الإعجاز قال: فما كان جوابهم إلا أن ركبوا متن الحتوف واستنطقوا السيوف بدل الحروف لما عجزوا عن الإتيان بالبرهان، وهذه حيلة كل عاجز يعجز عن دفاعه عن نفسه بالقلم أو اللسان، إلى غير ذلك مما قال.