تاملات (صفحة 185)

اخترتها للموازنة، كان سيراً يتواءم مع ضرورات الداخل والخارج، أكثر من السير في البلاد العربية، وهذا يعني في التحليل أن المعادلة الشخصية اليابانية، كانت أرجح في كفة التاريخ من المعادلة الشخصية التي كونتها النهضة في البلاد العربية. وهذا يجعلنا نتساءل: لماذا رجحت كفة اليابان في أواخر القرن التاسع عشر إلى هذا الحد؟

إنه يجب علينا، للجواب على مثل هذا السؤال، أن نحدد معنى النهضة هنا، حتى لا نخالف منطق التاريخ في استنتاجاتنا ضمن هذا البحث.

إذا راجعنا تاريخ القرن التاسع عشر وجدنا أن (النهضة) كانت ظاهرة عامة في مختلف البلاد الستعمَرة، وأن أسبابها تتصل بالظروف النفسية والإقتصادية والسياسية الجديدة، التي كونها المستعمر في تلك البلاد، فالنهضة كانت الفعل الذي ردت به الشعوب المستعمرة في تلك الظروف. فلماذا اختلفت النتيجة إذا كانت الأسباب التاريخية واحدة؟

إننا نضع هنا نقطة الاستفهام في صميم الموضوع، لأننا إذا حددنا النهضة بصفتها رد فعل إزاء الإستعمار، فإننا في خطوة ثانية مجبرون على أن نحدد رد الفعل لهذا النوع، من العلة الخاصة التي ربطها الشعب الناهض بالحضارة الغربية.

إننا نجد (الهند) مثلاً تحدد صلتها بالحضارة الغربية في صورة فكرة دينية متعالية، تتجلى في حياة (راما كريسما) وفي حياة تلميذه (كناندا)، الذي قام بجولة إلى أوربا وأميرما في غرة هذا القرن، كأنه يريد أن يشعر الحضارة الغربية المتجبرة، أن روح (الفيدا) أي روح الهند الناهضة لا تخضع ولن تخضع للقوة المادية. وهذا الموقف هو الذي وقفه (غاندي) نفسه في بدء حياته العامة، الذي لا يزال يقفه اليوم بعض تلامذة (كناندا) مثل (أوروبدا) المفكر الهندي المعاصر لنا، فهو موقف على جانب من السلبية كما رآه (طاغور) نفسه، عندما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015