تاملات (صفحة 184)

أكثر من الأولى. ولكننا نرى خلال الشريط ما يدل دلالة غامضة على فجر بدأ بصيصه يظهر في أفق العالم العربي.

ولناخذ الآن صورة شمسية ثالثة حوالي سنة 1905. إننا سوف نجد العالم العربي يعيش الآن في ضوء النهار، وسوف نحكم بمقتضى ما رأينا في الصورة الثانية والثالثة، أن النهضة العربية بدأ فجرها يطلع حوالي سنة 1868 وأن نهارها أصبح واضحا سنة 1905. ولو أننا حللنا الصورة الثالثة، لوجدنا أن النهار الجديد يضيء أشياء حديثة لم يألفها العربي في مسكنه ولباسه وشوارعه، أشياء نرى عليها طابع حضارة الغرب. نرى لا شك هذه الأشياء، علامة بينة على وجود نهضة لم نتبين أثرها في الصورة مثلاً، ولكننا لم نستنتج من تلك العلامة غير المنتظرة سوى دلالة عامة على أن التاريخ العربي قد تحرك من جديد بين سنوات (1868 - 1905)، دون أن نعرف شيئا آخر عن سرعة حركته ومدى التطور في هذه الحقبة التي اخترتها عن قصد، لأنها تطابق في تاريخ القرن التاسع عشر ما يسمى في اليابان بعهد (الميجي) من بدايته، أي عندما طرق C.perry ( بيري) قائد الأسطول الأمريكي إذ ذاك أبواب اليابان سنة 1868، فاضطرت لفتحها صاغرة حتى نهاية الحرب ضد روسيا القيصرية، وانتصار تلك الدويلة الآسيوية الناشئة على هذه الدولة الإستعمارية الكبرى سنة 1905، انتصارا بهر بعض الشعوب المستعمرة التي بدأت تنظر إلى اليابان كالبطل الآخذ بثأرها. إنه لا يهمنا الحدث نفسه وإنما تهمنا دلالته على أن النهضة التي يسمونها العهد الميجي في اليابان، قد حققت فيه ما لم تحققه في البلاد الإسلامية عامة وفي البلاد العربية خاصة.

إننا نجد أنفسنا أمام حقيقة يشهد بها التاريخ، وليس في وسعنا إلا الإعتراف بأن النهضة كان نشرها أعق في اليابان منه في البلاد العربية في أواخر القرن الماضي. وهذا يعني دون ريب أن سير بلاد الشمس المشرقة خلال الحقبة التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015