تاملات (صفحة 186)

عبر عن موقف بلاده إزاء الحضارة الغربية، الموقف الذي يمكننا وصفه بموقف الضعيف المتكبر أمام القوي المتجبر. وهذا النوع من الصلة لم يكن لينفع النهضة في الهند، لو لم يأت غاندي الذي عدّل الجانب السلبي فيها بالإضافات الإيجابية، فغير اتجاه النهضة الهندية تغييرا نراه اليوم يتم على يد تلميذه (نهرو). ومن الواضح لمن تتبع سياسة الهند منذ عشر سنوات، أن النهضة الهندية نزلت من السحاب وبدأت تسير سيرا حثيثا للإنسجام مع القانون العام، انسجاما يستحق أحيانا الإعجاب فيما يتصل بضرورات الخارج خاصة، حتى أصبحنا نشعر أن الهند لم يعد يطيب لها الجلوس على مقعد المتفرج، الذي يتتبع الأحداث على شاشة التاريخ معلقا عليها، بل اختارت لنفسها- وليس لديها الكثير من الوسائل- أن تصنع الأحداث العالمية أو تشارك في صنعها بصفة جدية.

ومهما يكن في هذا الاستطراد فإننا نريد أن نقول: إن النهضة الهندية كانت

تحدد نوعاً من الصلة بالحضارة الغربية، فيه ما فيه من نزعة الكبرياء، التي ما برحت فيما أظن تطبع موقف الهند في العالم، ولا تعطينا الموازنة مع النهضة العربية سوى شيء واحد، هو أن الفكر الهندي لما رأى خلال القرن الماضي، أنه لا يستطيع حل مشكلات البقاء، ومشكلات الاتجاه الخاصة بالهند، انفصل عن الأرض وارتفع إلى السحاب مكابراً.

أما النهضة في اليابان خلال الحقبة التي اخترناها للموازنة، فإنها عبرت عن

صلة بالحضارة الغربية من نوع آخر. فإننا لو أخذنا صورة شمسية لمجتمع الياباني كما فعلنا للمجتمع العربي بين سنوات (1868 - 1905)، فسوف نجد فيها من أشياء حضارة الغرب، ما نجده قطعاً في صورة شمسية نلتقطها في الوقت نفسه لمجتعنا نحن، ولكننا لو حللنا الصورتين بالمجهر الدقيق، لوجدنا الصورة الشمسية الخاصة بالنهضة العربية زاخرة بالأشياء الغربية الحديثة، ولا نجد معها سوى أشياء أخرى من مخلفات حضارتنا التي ولت إلى ظلمات التاريخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015