تاملات (صفحة 183)

حركاته وسكناته إلى قانون صاغه ماضي أسرته ومجتمعه وثقافته، ولا بد من نظرة إلى ماضي هذا الجهاز، لنعرف مدى صلاحيته في العمليات الاجماعية والمشروعات المخططة القائمة عليه.

ولكن هذا الإنسان ليس قضيباً من الحديد نضعه تحت المجهر أو تحت تأثير مادة مشعة لنختبره، إذا ما أردنا استعماله في تركيب ميكانيكي معين.

إن اختبار الإنسان لا يمكن أن يكون من النوع الستاتيكي، مثل قضيب الحديد في الظروف العادية، بل يجب أن يكون من النوع الديناميكي، أعني أنه يجب أن نختبره في حركاته لا في سكناته، وإذا اعتبرنا أن التاريخ إنما هو تسجيل لحركات مجتمع معين، فأي قطعة منه نحللها نجد في نهاية التحليل: إما الصورة الحقيقية لحالة الفرد بالنسبة إلى ضرورات المجتمع، وإما- على الأقل- بعض المعلومات عن معادلته الشخصية، أي عن مدى صلاحيته في العمليات الاجتماعية، كما يمكننا في نهاية التحليل أن نقرر ما يجب تعديله في تلك المعادلة، حتى تصبح منسجمة مع ضرورات الخارج وحاجات الداخل.

وإذن فأي قطعة من التاريخ العربي تدلنا على مواطن الضعف في مجتمعنا،

حتى يمكننا أن ندخل التعديل المناسب في المعادلة الشخصية التي تخصنا؟

فلنفرض أننا أخذنا صورة شمسية للعالم العربي خلال العقد الأول من القرن التاسع عشر مثلاً .. فإننا لا نرى شيئاً فيها، وكأنها صورة التقطت في ليل مظلم، ذلك الليل الطويل، الطويل جداً، الذي أشار إليه المستشرق (كوتييه) في كتابه (القرون المظلمة في الغرب).

فهذه الصورة لا تفيدنا شيئاً في موضوع الحديث، لأنها لا تصور لنا حركة المجتمع العربي في ذلك العقد وإنما نومه وسكونه.

فلنأخذ صورة شمسية أخرى حوالي سنه 1868 .. إننا لن نجد فيها معلومات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015