تاملات (صفحة 182)

فيمكن إذن أن نقول إن النهضة العربية أخذت، تجاه الضرورات الخارجية، الإتجاه الصحيح بفضل سياسة الحياد الإيجابي التي يلتزمها الرئيس عبد الناصر، كما بدأت أيضاً تتجه الإتجاه الصحيح إزاء ضرورات الداخل بفضل المشروعات المخططة، التي أخذت طريقها إلى التنفيذ في الجمهورية العربية المتحدة.

ولكن نظرتنا إلى هنا في الموضوع إنما هي نظرة إلى المستقبل، أي أنها تتصل بالشروط النظرية التي يجب أن تستجيب إليها النهضة العربية، كي تحقق مصير الأمة العربية وتسهم في تحقيق نصيب من مصير الإنسانية. ولا شك أن هذه النظرة كافية إلى حد ما بالنسبة إلى ضرورات الخارج، لأن مبدأ الحياد الإيجابي لا يتوقف تنفيذه إلا على إرادة فولاذية، لا تحيد عن سياسة الحياد، ولا شك أن الرئيس عبد الناصر برهن على أنه لا يحيد مهما تكن الظروف. ونرى إذن أن نظرتنا إلى المستقبل كافية بالنسبة إلى ضرورات الخارج، لأن تقرير المبدأ النظري يكفي في هذا المجال ولكنه لا يكفي وحده بالنسبة لضرورات الداخل، أي بالنسبة إلى مشروعات البقاء الاجتماعي المختلفة، بل لابد هنا من نظرة إلى الماضي لأن مقتضيات النهضة لا تنفذ بقرار من إرادة فولاذية، ففي المشكلات الداخلية جانب نفسي لا تعبر عنه الأرقام مهما تكن دقيقة، ولا يمكن في أي بناء اجتماعي أن نهمل هذا الجانب لأنه يصور معادلة شخصية، تتدخل ضمناً في أي حل تمليه الاعتبارات الفنية.

إنه يجب ألا ننسى أن الإنسان لا يدخل العمليات الاجتماعية بوصفه مادة خاماً، بل يدخل في صورة معادلة شخصية، صاغها التاريخ وأودع فيها خلاصة تجارب سابقة وعادات ثابتة، تحدد موقف الفرد أمام مشكلات بما يكون هذا الموقف من القوة أو الوهن، من الاهتمام أو التهاون، من الضبط أو عدم الضبط الخ .. وإذن فلا تكفي هنا نظرة مجردة إلى المستقبل، لأن الإنسان جهاز دقيق، أدق من كل شيء نتصوره في الميكانيك الدقيق، ولكنه جهاز تخضع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015