تاملات (صفحة 181)

إليها السعي الحثيث، حتى أصبح سلوكه عنواناً لنظرية في الإنتاج (استاخانوفية).

وأما من الناحية الفنية فإن فكرة التخطيط تكتل الوسائل وترب ضمناً - بدافع تفرضه طبيعة العمل المخطط- بين بعض المشاكل، التي قلما نفكر في ربطها بصفة منهجية، لأن العادات الفكرية لا تتغير بسرعة التطورات التي يحدثها العامل الفني في الأشياء. فقلما نفكر في العمل غير المخطط أن نربط بين مشكلة اليد ومشكلة العقل، أو بين مشكلة العمل ومشكلة الوقت، بينما يكون الربط بين هذه المشكلات ضرورة حتمية في العمل المخطط: ضرورة تفرضها طبيعة العمل نفسه دون إجهاد في التفكير، لأن التخطيط عملية تفكير، تفكير مسبق في عمل محدد من ناحية، ومن ناحية أخرى هو توقيت هذا العمل في مدة معينة وتوزيعه على عدد معين من السنوات. وبهذا فإنه يربط بين عوامل اجتماعية فعالة، ويحل ضمناً المشكلات التي تتضمنها، مثل مشكلة الربط الضروري بين العمل والفكر من ناحية العمل والوقت من ناحية أخرى، حتى تسير الوسائل بأسرع ما يمكن إلى أهدافها، وتنتج أكبر ما يمكن إنتاجه في وقت معين. فالتخطيط: هو، جملة، تعميم لنظرية (تايلور) الذي فكر في المشكلة في مستوى المصنع، بينما يرفع القرن العشرين هذه النظرية من مستوى المصنع، الذي يصنع منتوجاً حضارياً معيناً مثل السيارة والطائرة، إلى مستوى المجتمع الذي يصنع حضارة.

فكما كان تطبيق نظرية (تايلور) من العوامل التي أثرت تأثيرا عميقاً في تسريع العمليات الصناعية منذ القرن التاسع عشر، فإن التخطيط يؤثر اليوم تأثيراً عميقاً في تسريع العمليات الاجماعية التي تقوم عليها الحضارة، فالتخطيطات القائمة اليوم في الجمهورية العربية المتحدة، تكون في النهضة العربية عنصراً أساسياً لانسجامها مع القانون العام من حيث سرعة التطور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015