واما في صورة القياس وصورة قياس القياس فأمر قد كددنا في طلبه مدة من العمر حتى استنبطناه. وكان لا يفتر عن الدرس والمطالعة الّا عسى عند النوم. وكان إذا سئل لا يبادر الجواب الا بعد الفكر. ولا قصد في البحث الا الحق دون الغلبة. وكان يقول في إبطاله التناسخ: أفلاطون صديق والحق ايضا صديق فإذا لحظتهما كان اختياري واكرامي للحق. وكان إذا شعر بتقصير من نفسه لم يستنكف من ان يدفعه. وكان معتدلا في الملابس والمأكل والمشرب والمنكح والحركات. ومات وله ثمان وستون سنة.
وخلّف ابنا وابنة صغيرة وخلف مالا كثيرا.
واعلم وفّقك الله ان الحكماء الذين نظروا في اصول الموجودات دهريّون وطبيعيّون وإلهيّون. فأما الدهريون فهم فرقة قدماء جحدوا الصانع المدبّر للعالم وقالوا ان العالم لم يزل موجودا بنفسه لم يكن له صانع صنعه. والطبيعيون فهم قوم بحثوا عن أفعال [1] الطبائع وانفعالاتها وما صدر عن تفاعلها [2] من الموجودات حيوان ونبات. وفحصوا عن خواص النبات وتركيب أعضاء الحيوانات فمجدوا الله وتحققوا بمخلوقاته انه قادر حكيم عظيم [3] . الّا انهم رأوا ان النفس تهلك بهلاك الجسد وان لا بقاء لها بعده. واما الإلهيون فهم المتأخرون من حكماء يونان مثل سقراط وهو شيخ أفلاطون. وأفلاطون شيخ ارسطوطاليس. وأرسطو هو مرتّب هذه العلوم ومحرّرها ومقرّر قواعدها ومزيّن فوائدها ومخمّر فطيرها ومنضّج قديرها [4] وموضّح طرق الكلام وتحقيق قوانينه والرادّ على الدهرية والطبيعية والمندّد عليهم والقائم بإظهار فضائحهم. وهذّب كلام أفلاطون وسقراط وحقّقه ونمّقه ورتّبه فجاء كلامه ابضع [5] كلام وأحكم معاني. وكل من نقل كلامه من اليوناني الى لغة اخرى حرّف وجزّف وما أنصف. واقرب الجماعة حالا في تفهّمه الفارابي وابن سينا فإنهما تحمّلا علمه على الوجه المقصود. واعذبا منه لوارد منهله المورود [6] . وكان لارسطو ابن أخ اسمه ثاوفريسطس وهو احد تلاميذه الآخذين الحكمة عنه وهو الذي تصدّر بعده للاقراء بدار التعليم. وكان فهما عالما مقصودا لهذا الشأن. وقرئت عليه