فاضلا يقرأ عليه ويؤخذ منه. وكان حادّ المزاج يسرع اليه الغضب. جرى لي معه مفاوضة في امر تقديم السريان الليل على النهار مستدلّين التوراة وهو قوله تعالى: وصار مساء وصار صباح يوما واحدا. قلت: هذه الحجة عليهم لا لهم لأنها تنبئ عن تقدّم نهار آخره مساء وتأخّر ليل آخره صباح ليتمّ بمجموعهما يوم واحد لانّ الحاصل من المساء الى الصباح انما هو ليلة واحدة وهي نصف يوم لا يوم تام. فلم ينصفني في هذا ولا أجاب عنه بشيء اكثر من قوله: هذا مذهب اهل ملّتك فكيف يسعك تكذيبهم.
فقلت: انا تابع فيه لليونانيين وأقيم عذر السريانيين وهو ان شهورهم قمريّة والقمر انما يرى استهلاله مساء لا صباحا فجعلوا مبادئ تواريخهم أوائل الليل ومثلهم العبرانيون والعرب لان الليل مقدّم على النهار في نفس الأمر. ومما يستدلّ به على علوّ همّته الحكيم عيسى ابن القسيس انه نسخ كتاب القانون بخطّه في شبيبته ثم خرجت النسخة عن ملكه بحكم شرعيّ وحصلت في خزانة المدرسة المستنصرية. فلما اسنّ طلب النسخة وقابلها وصححها وأعادها الى مكانها. فنسبه باغضوه الى فضول ومحبّوه الى مثوبة يتوخّاها. فقال: كلا الفريقين مخطئ وانما فعلت ذلك لئلا يزرى عليّ بعد موتي. وعمّر طويلا ومات شيخا كبيرا.
ومنهم تقيّ الدين الرأس عينيّ [1] المعروف بابن الخطّاب [2] طبيب مشهور الذكر متقن لصناعة الطب علمها وعملها غاية الإتقان خدم السلطان غياث الدين وبعده ابنه عزّ الدين وصار له منزلة عظيمة منهما ورفعاه من حدّ الطب الى المعاشرة والمسامرة واقطعاه إقطاعات جزيلة وكان في خدمتهما بزيّ جميل وامر صالح وغلمان وخدم وصادف من دولتهما كل ما سرّه.
ومنهم شرف الدين بن الرحبي واخوه جمال الدين الدمشقيّان. اما شرف الدين فكان بارعا بالجزء النظري من الطب له معرفة تامة به واطلاع على أصوله تصدّر لافادة هذا الشأن وأخذ عنه جماعة من الطلبة وكان قليل التعرّض لمباشرة المرضى. وسمعت وقت تحصيلي بدمشق ان له تعاليق وحواشي على القانون ولم ارها. واما جمال الدين اخوه فكان له عناية تامة في الحزء العمليّ من الطبّ وتجارب فاضلة فيه ونفوذ مشهور في المعالجة. صحبته مدة أباشر معه المرضى بالبيمارستان النوري بدمشق وكان حسن الأخلاق لم ار في الجماعات احسن منه زيا وصمتا ونطقا ومبسما.