الله لموسى: قل لبني إسرائيل يفردون لي ذهبا وفضة ونحاسا وثياب أرجوان وقزا وإبريسما ومرعزّى وأديما وخشب شمشار ويعملون لي مسكنا بينهم زمان تقلّبهم خارج ارض الميعاد ويكون أخوك هرون وبنوه يلهبون السرج فيه من العشاء الى الصباح. فعملوا كما أمرهم الله تعالى وسار بنو إسرائيل وموسى امامهم يعدّ لهم منزلا. وتغطرس هرون ومريم على موسى لأجل زوجته الزنجية وقالا: ألعلّ موسى وحده كلمه الله فمعنا ايضا قد تكلم.
فقال لهما الله: ان تمّت نبوؤتكما فاني سرا اتجلى عليكما واما موسى فقد ائتمنته على بيتي ومن فم لفم اكلّمه. وعند ذلك برصت مريم وابيض جسمها كالثلج. وتضرع موسى الى الله ان يطهّرها. فقال الله: لو ان أباها تفل في وجهها لكان يجب ان تستحي منه فلتنعزل عن الحلّة سبعة ايام ثم تدخل. ففعلت وطهرت. فجاء بنو إسرائيل الى البرّ المعروف بصين. وماتت هناك مريم اخت موسى وهرون ودفنت حيث توفيّت. ثم جاءوا الى جبل هور ومات هناك هرون وولي مكانه ايليعازر ابنه. ولما عبر بنو إسرائيل نهر الاردنّ قال الله: يا إسرائيل ان عملت بوصايا إلهك بوركت في قريتك بوركت في حقلك بورك ثمار كرومك وولد بعيرك يسلم الله عدوك في يديك ويجيئك من طريق واحد ويهرب في سبع طرق يبارك الله الأرض التي يعطيك ويجعلك له شعبا مقدسا كوعده لك. وان خالفت هذه الوصايا تنقلب بركاتك لعنات ويبددك الله في جميع الأمم ويعطيك قلبا فزعا ووجع العين ورماك بالنيّط وتكون مرعوبا بالليل والنهار.
أقول تأمل ايها القارئ كيف جعل الله وعده ووعيده لبني إسرائيل مقصورين على ما يرونه في دنياهم من غير ان يذكر لهم شيئا من احوال الآخرة وامور المعاد وذلك لغلظ طباعهم وقصورهم عن النظر الى العالم الروحانيّ.
ثم اوحى الله الى موسى قائلا: ها أنت ماض في طريق آبائك فادع يوشع بن نون تلميذك وأوصه بان يقوم بتدبير هذا الشعب فاني اعلم انه يضل بعد موتك ويتخذ الأصنام ويعبدها فيحل غضبي بهم فيلحقهم بؤس وذل. ولست أورثهم ارض الجبابرة المغلة عسلا ولبنا من قبل ورعهم وصلاحهم لكن لسوء اعمال سكانها قبلهم ولما وعدت به آباءهم ابرهيم واسحق ويعقوب. فلما فرغ موسى مما اوصى به يوشع بن نون خاصة وبني إسرائيل عامة أصعده الله الى جبل نابو وأراه ارض كنعان وهي ارض الميعاد التي سيورثها لبني إسرائيل. ومات هناك ودفنته الملائكة من غير ان يعرف له قبر الى آخر الدهر. وكانت سنّه مائة وعشرين سنة ولم يضعف بصره ولم تتشنج وجنتاه. ويوشع بن نون امتلأ روح الحكمة بوضع موسى يده عليه وأطاعه بنو إسرائيل. فمن آدم الى وفاة موسى على الرأي