ابن عفان كاتبه: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عمد عبد الله بن ابي قحافة وهو في آخر ساعات الدنيا وبأول ساعات الآخرة. ثم غمي عليه. فكتب عثمان: الى عمر ابن الخطاب. فلما أفاق قال: من كتبت. قال: عمر. قال: قد أصبت ما في نفسي.
ولو كتبت نفسك لكنت أهلا له. واجمعوا على ذلك. وكان يدعى خليفة خليفة رسول الله. قالوا: هذا يطول. فسمّي امير المؤمنين. وهو أول من سمّي [1] بذلك. ولما استخلف قام في الناس خطيبا فقال بعد الحمدلة: ايها الناس لولا ما أرجوه من خيركم وقوامكم عليه لما اوليتكم الى غير ذلك. فلما ولي الأمر لم يكن له همة الّا العراق. فعقد لأبي عبيد [2] بن مسعود على زهاء ألف رجل وأمره بالمسير الى العراق ومعه المثنّى بن حارثة وعمرو بن حزم وسليط بن قيس. فساروا حتى نزلوا الثعلبية. فقال سليط: يا أبا عبيد إياك وقطع هذه اللجة فاني ارى للعجم جموعا كثيرة. والرأي ان تعبر بنا الى ناحية البادية وتكتب الى امير المؤمنين عمر فتسأله المدد. فإذا جاءك عبرت إليهم فتناجزهم الحرب.
فقال ابو عبيد: جبنت والله يا سليط. فقال المثنى: والله ما جبن ولكن أشار عليك بالرأي فإياك ان تعبر إليهم فلتقي نفسك وأصحابك وسط أرضهم فتنشب بك مخاليبهم [3] .
فلم يقبل منهما ابو عبيد وعقد الجسر وعبر بمن معه على كره منهما. فعبرا معه. وعبّى ابو عبيد أصحابه ووقف هو في القلب. فزحف إليهم العجم فرشقوهم بالنشاب حتى كثرت في المسلمين الجراحات. فحمل العرب حملة رجل واحد وكشفوا العجم. ثم ان العجم ثابوا وحملوا على المسلمين. فكان ابو عبيد أول قتيل وقتل من المسلمين عالم.
فولّى الباقون ماريّين نحو الجسر والمثنى يقاتل من ورائهم لجميعهم حتى عبروا جميعا وعبر المثني في آخرهم وقطعوا الجسر. وكتب الى عمر بما جرى من المحاربة. وكتب اليه عمر ان يقيم الى ان يأتيه المدد. وكانت هذه الوقعة في شهر رمضان يوم السبت سنة ثلث عشرة من التاريخ. ثم ان عمر أرسل رسله الى قبائل العرب يستنفرهم [4] . فلما اجتمعوا عنده بالمدينة ولّى جرير بن عبد الله البجليّ أمرهم. فسار بهم حتى وافى الثعلبية. وانضم اليه من هناك. ثم سار حتى نزل دير هند. ووجه سراياه للغارة بأرض السواد مما يلي الفرات. فبلغ ذلك ازرميدخت ملكة العجم فأمرت ان ينتدب من مقاتليها اثنا عشر