وكان ذلك دأبهم زمان الصيف والربيع. فإذا جاء الشتاء واقشعرّت الأرض انكمشوا الى أرياف العراق وأطراف الشام. فشتّوا هناك مقاسين جهد الزمان ومصطبرين على بؤس العيش. وكانت أديانهم مختلفة. فكانت حمير تعبد الشمس. وكنانة القمر.
وميسم الدبران. ولخم وجذام المشتري. وطيّء سهيلا. وقيس الشعرى العبور. واسد عطارد. وثقيف بيتا بأعلى نخلة يقال لها اللّات. وكان فيهم من يقول بالمعاد ويعتقد ان من نحرت ناقته على قبره حشر راكبا ومن لم يفعل ذلك حشر ماشيا. فأما علم العرب الذين كانوا يتفاخرون به فعلم لسانهم واحكام لغتهم ونظم الاشعار وتأليف الخطب.
وكان لهم مع هذا معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغاربها وعلم بأنواء الكواكب وأمطارها على حسب ما أدركوه بفرط العناية وطول التجربة لاحتياجهم الى معرفة ذلك في اسباب المعيشة لا على طريق تعلّم الحقائق. واما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله شيئا منه ولا هيأ طبائعهم للعناية به. فهذه كانت حالهم في الجاهلية. واما حالهم في الإسلام فعلى ما تذكره بأوجز ما يمكننا وأقصر ان شاء الله.
ذكر النسّابون ان نسبته ترتقي الى إسماعيل ابن ابراهيم الخليل الذي ولدت له هاجر امة سارة زوجته. وكان ولاده بمكة سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة للإسكندر [1] . ولما مضى من عمره سنتان بالتقريب مات عبد الله أبوه وكان مع أمّه آمنة بنت وهب ست سنين. فلما توفيت اخذه اليه جدّه عبد المطلب وحنا عليه. فلما حضرته الوفاة اوصى ابنه أبا طالب بحياطته [2] فضمه اليه وكفله. ثم خرج به وهو ابن تسع سنين الى الشام. فلما نزلوا بصرى خرج إليهم راهب عارف اسمه بحيرا من صومعته وجعل بتخلل القوم حتى انتهى اليه فأخذه بيده وقال: سيكون من هذا الصبي أمر عظيم ينتشر ذكره في مشارق الأرض ومغاربها فانه حيث اشرف اقبل وعليه غمامة تظلله. ولما كمل له من العمر خمس وعشرون سنة عرضت عليه امرأة ذات شرف ويسار اسمها خديجة ان يخرج بمالها تاجرا الى الشام وتعطيه أفضل ما تعطي غيره. فأجابها الى ذلك وخرج. ثم رغبت فيه وعرضت نفسها عليه فتزوجها وعمرها يومئذ أربعون سنة.
وأقامت معه الى ان توفيت بمكة اثنتين وعشرين سنة. ولما كمل له أربعون سنة اظهر الدعوة. ولما مات ابو طالب عمّه وماتت ايضا خديجة زوجته اصابته قريش بعظيم أذى.
فهاجر عنهم الى المدينة وهي يثرب. وفي السنة الاولى من هجرته احتفل الناس اليه