عن المذهب الذي أخذ به نصارى اليمن.
على أنه مهما كان من أمر المسيحية واليهودية في اليمن. فقد ظل أتباعهما قلة قليلة. وظلت غالبية أهل الجنوب العربي على عقائدهم الوضعية القديمة وإن حاولوا أن يوسعوا آفاقهم الدينية من تلقاء أنفسهم تارة ونتيجة لاتصالهم بأصحاب الديانتين اليهودية والمسيحية تارة أخرى. وهكذا ورد في نص الملك شرحبيل يعفور عن إصلاح سد مأرب عبارة تقول ما يمكن ترجمته إلى بنصر وعون الإله سيد السماء والأرض وذلك مما يعني تقديس معبود أكبر يشمل سلطانه السماء والأرض ولا يقتصر سلطانه على إقليم بعينه أو مظهر معين. ووردت في نص عبد كلال عبارة تقول بردا رحمنن أي: بعون الرحمن، مما يعني الإيمان برحمة الرب الدائمة وفضله الواسع، وروى أحد مؤرخي التاريخ الكنسي أنه كان بين الحميريين إبراهيميون عارضوا ثيوفيلوس المبشر المسيحي، غير أن أمثال هذه الفلتات القليلةلم تقض على عقائد التعدد القديمة فظلت هي الغالبة.
وتنافست الديانات الثلاث، وكان الأكثر تنافسًا أنصار الديانتين الجديدتين أي اليهودية والنصرانية. وفي خلال هذا التنافس اشتد أحد الملوك الحميريين الأواخر وهو يوسف أسأر يثأر الملقب ذو نواس في معاملة التجار المسيحيين والأشاعرة حلفاء الأحباش لسبب ما يرده البعض إلى تهوده، ويرده البعض إلى صداقته لليهود وتأثره بتحريضهم، ويرده البعض الآخر إلى ربطه بين انتشار المسيحيين في بلده وبين احتمال انتشار النفوذ الحبشي المسيحي عن طريقهم لاسيما وأن منهم من كانوا على صلة ببلاط الحبشة فعلًا. وترتب على هذه الشدة أن قل تعامل التجار البيزنطيين مع الموانئ العربية والموانئ الأفريقية القريبة منها. واستنصر المسيحيون بعضهم بعضًا، وناشدوا إمبراطور بيزنطة أن يتدخل لمعاونتهم، ولكن الشقة بين بيزنطة وبين اليمن كانت بعيدة، فوقع عبء معاونتهم على ملك الحبشة كاليب أل أصبحا حليف البيزنطيين ووجدت دعوة الاصتنصار هذه هوى في نفسه لتحقيق أمل أسلافه ولزيادة نفوذه السياسي والتجاري، لاسيما وأن بلاده قد تأثرت إلى حد ما من اضطراب أمور التجارة البيزنطية في جنوب البحر الأحمر.
وقيل: إن كاليب كان على رأس الحملة على اليمن أو أشرف على الأقل على إعدادها في ميناء عدولى الذي أبحرت منه عبر باب المندب في فترة ما تقع بين520م و 523م. ونجحت الحملة في غرضها، وفر ذو نواس إلى منطقة جبلية ببعض أعوانه. وأعلن الملك الحبشي سيادته على ظفار وعين عليها واليًا حبشيًا، وعندما توفي هذا الوالي استغل ذو نواس فرصته فأعاد تجميع أنصاره واستعاد