ظفار وانتقم ممن فيها من الأحباش وأجلى بقيتهم عن بلاده ثم رد الصاع صاعين، فترك اليهود يفتكون بمن شاءوا من منافسيهم المسيحيين. ووجه انتقامه إلى نجران أكبر مراكز تجمع المسيحيين فراسل زعيمها الحارث؟ ليتصل به، ولكن الرجل تخوف غدره فتحصن بمدينته. وشدد نواس حصار نجران وقيل: إنه وعد أهلها الأمان إن استسلموا له. فلما طال المطال عليهم فتحوا له أبواب مدينتهم فكان انتقامه هو وأعوانه منهم على نحو ما ذكر القرآن الكريم في سورة البروج (4 - 9) إذ يقول: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

وأراد ذو نواس أن يتخذ له سندًا لو تأزمت الأمور ضده فكتب إلى ملك الحيرة المنذر الثالث يود أن يحالفه أو يجعل له سبيلًا إلى محالفة الفرس وتصادف أن كان في مجلس المنذر وقتئذ وفد من قساوسة الروم فأشاعوا أن ذا نواس دعا المنذر في رسالته إلى أن يفتك بمسيحي الحيرة كما فتك هو بمسيحي نجران.

وثارت ثائرة العالم المسيحي، وأراد الملك الحبشي أن ينتقم لما أصاب رجاله فعاود الحملة على اليمن بجيش كثيف، وانتصر جيشه بعد جهد جهيد. وقتل ذو نواس أو فر وغرق كما روت بعض المصادر العربية.

وصحب الاحتلال الحبشي الأخير لليمن في عام 525م ما يصحب كل احتلال أجنبي من ضروب القتل والتدمير والنهب والأسر التي أفاضت المصادر الإسلامية في تصوير بشاعتها. ويبدو أن مقاومة الحميريين للغزاة قد استمرت لبعض الوقت. إذ يذكر حمزة الأصفهاني (في تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء) أنه أعقب ذا نواس ولده ذو جدن ولكنه لقي نفس مصيره. ولعله من جراء هذه المقاومة أن عمل نجاشي الحبشة على أن يوطد احتلاله لبلاد اليمن بما يخدر أهلها فعين على حكمهم تحت طاعته رجلًا من سادتهم يدعى سميفع أشوع كان من كبار أعوان ذي نواس، وبعد مقتله تحصن هو بأولاده في حصنه وجمع حوله بعض حلفائه، ثم تبين عقم المقاومة أو استجاب لدعوة الأحباش فهادنهم وربما تنصر حينذاك واتخذ اسمه المسيحي الصيغة الذي سبق ذكره. وقد نسب إليه نص عربي تلقب فيه بلقب ملك سبأ وذكر إيمانه بالمسيح الذي أورد اسمه بصيغة لاتينية محرفة، مع إثبات تبعيته لنجاشي أكسوم.

وازدادت أعداد الكنائس الكبيرة في اليمن منذ ذلك الحين، وكانت كبراها كنيسة في نجران سماها أتباعها كعبة نجران وكعبة اليمن وكان لها سرادق من أدم. وأخرى في ظفار أقام فيها كبار قساوسة اليمن، وكنيسة ثالثة في عدن ... إلخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015