قال هرم بن حيان: ما عصى الله تعالى كريم، ولا آثر الدنيا على الآخرة حكيم.
كان «1» هرم بن حيان يخرج في شطر «2» الليل، فينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنة، كيف ينام طالبها، وعجبت من النار كيف ينام هاربها أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ
[سورة الأعراف، الآية: 97] ثم يقرأ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ [سورة التكاثر، الآية 1] وَالْعَصْرِ
[سورة العصر، الآية: 1] .
وكان يقول: لو أن مناديا ينادي من أهل السماء: أين خير أهل الأرض رجوت أن أكون أنا، ولو نادى مناد: أين شر أهل الأرض خشيت أن أكون أنا هو، ولو قيل لي: إنك من أهل الجنة ما زادني ذلك إلا اجتهادا، شكرا لربي، ولو قيل لي: إنك من أهل النار ما زادني ذلك إلا اجتهادا كيلا ألوم نفسي إن هلكت، لأني لم أهلك إلا بعد الاجتهاد.
أخذ محمود الوراق قوله: لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها:
عجبت من هارب يخاف من النّ ار ومن نومه على هربه
والذي يطلب السبيل إلى الجنّ ة أنى ينام عن طلبه
كم من جهول قد نال بغيته ومن أديب أكدى على أدبه
ورب باك فوات حاجته وفي الفوات النجاة من عطبه
قيل «3» لهرم بن حيان: أوص، قال: أوصيكم بالآيات الأواخر من سورة النحل: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
[سورة النحل، الآية: 125] إلى قوله: وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
[سورة النحل، الآية: 128] .
قيل «4» لهرم بن حيان لما حضره الموت: أوص قال: ما أدري ما أوصي، ولكن بيعوا درعي واقضوا عني ديني، فإن لم يف فبيعوا فرسي، فإن لم يف فبيعوا غلامي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل.