والصحراء وأقاموا عدة ليال وأيام على الخوف والجزع يسبحون ويهللون ويرغبون إلى خالقهم ورازقهم في العفو عنهم واللطف بهم والله تعالى والي الاجابة وقبول الرغبة والانابة ووردت الأخبار مع ذلك من ناحية العراق في أوائل رجب سنة 552 بوفاة سلطان غياث الدنيا والدين أبي الحرث سنجر ابن السلطان العادل أبي الفتح ابن السلطان البارسلان وهو سلطان خراسان عقيب خلاصه من الشدة التي وقع فيها والأسر الذي حصل فيه وكان يحب العدل والانصاف للرعايا حسن الفعل جميل السيرة وقد علت سنه وطال عمره وتولاه الله برحمته وسابغ مغفرته بفضله ورأفته وفي شهر رمضان من السنة ورد الخبر من ناحية حلب بوفاة الشيخ الأمير مخلص الدين أبي البركات عبد القاهر بن علي بن أبي جرادة الحلبي رحمه الله في العشر الثاني منه بعرض عرض له وهو الأمين على خزائن مال الملك العادل نور الدين سلطان الشام فراعني فقده والمصاب بمثله لأنه كان خيراً كاتباً بليغاً حسن البلاغة نظماً ونثراً مستحسن الفنون من التذهيب البديع وحسن الخط المحرر على الأصول القديمة المستطرفة مع صفاء الذهن وتوقد الفطنة والذكاء وكان بيني وبينه مودة محصدة الأسباب في أيام الصباء وبعدها بحكم تردده من حلب إلى دمشق وأوجبت هذه الحال تفجعي به وتأسفي على مثله نظم هذه الأبيات أرثيه بها وأصف محاسنه فيها وهي:
فجعت بخلٍّ كان يونس وحشتي ... تذكره في غيبةٍ وحضور
فتى كان ذا فضلٍ يصول بفضله ... وليس له من مشبهٍ ونظير
وقد كان ذا فضلٍ وحسن بلاغةٍ ... ونظم كدرٍّ في قلائد حور