عندها دعاني داع على حين غرة لإحياء العلوم على قدر المستطاع، والتجديد في كل فن منوط بمقدار السعي «وجهد المقلّ غير قليل» «1» .
وقد عزّت علوم في بلاد خراسان هذه الأيام، واندرست آثارها، منها: علم الحديث النبوي، حتى إنه لو كتب أحدهم عشرة أسانيد: خمسة منها صحاح، وخمسة خطأ، فقلّما يوجد الشيخ الذي يعرف الصحيح والسقيم من تلك الأسانيد، أو المحدث العارف لأستاذه الذي يروي عنه، وما هي مفرداته، وكم هو عدد الطلاب والمستفيدين الذين نقلوا عنه، ومن كان منهم العدل أو المجروح. وإنها لمصيبة عظمى وبلاء كبير أن لا يكون في أمة محمد رسول الله فيما يزيد على مئة فرسخ عالمان اثنان ناقدان لأسانيد وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم [4] :
مضى العلماء وانقرضوا ... وها أنا للردى غرض «2»
وأما العلم الآخر، فهو علم الأنساب، وهو علم شريف، إذ لكل أمة علم خاص بها: فللروم علم الطب، ولليونانيين علوم الحكمة وأصول الطب وميزان المنطق التي ارتوت مراعي المساعي ومسارح مناجح العالمين بقطرها، وانجلت بمجاهدات ومعالجات الأطباء، غمرات الأسقام، وعبرات الآلام، ووصلت القلوب بعلم ميزان المنطق من الحيرة والأقاويل إلى مرتبة الاطمئنان، وللهند الحساب والتنجيم، وللفرس علوم آداب النفس والمعرفة، وهو علم الأخلاق، وللترك علم الفروسية، وآداب السلاح، ولأهل الصين الصنائع والحرف العجيبة. قال تعالى كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
«3» ، وكل ذات ذيل تختال.