حكاية: يحكى أن ملكا كان يعيش في ملكه وولايته بالسعادة والفرح والدعة، لم يلحق عدو أي ضرر بملكه، ولم تؤثر عين حاسد في محله الرفيع، وفي ليلة كان الجو فيها باردا، انتثر فيها الكافور على العالم، فعادت الأرض بيضاء كالمرآة الشامية وابيضّت مفارق رؤوس الجبال، فأثّر فيها الهرم، لبست المساكن والمواطن لباس الحواصل، وتعرّت الأشجار من الأوراق، وأصبحت حرارة النار حبيبة الحيوانات، واستعار ظلام الليل سواده من القار وجناح الغراب وذوائب [289] الشباب وثياب المفجوعين ومداد الورّاقين، ولما غلب النوم على ذلك الملك، رأى في منامه نفسه وحيدا في بيداء مقفرة لا ملجأ فيها، ثم إن أسدا حمل عليه بغتة، ففر منه إلى جبل، فلما وصله رأى منه واديا فيه بئر، ولأن الأسد صار قريبا منه، ولخوفه منه، ألقى بنفسه في البئر، ثم إنه لهول ذلك الحلم أفاق من منامه قلقا كالحبة في المقلاة الحارة، وانحدرت دموع عينيه على وجهه:

كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... عليه فلا تزداد طولا ولا عرضا «1»

فجاء الوحي إلى نبي ذلك الزمان أن اذهب إلى فلان الملك وحذّره وقل له: إن وفود إحساني تصل إليك متواترة، وقد قوّيت قلبك بعوني ومواهبي وتوفيقي ووهبتك العزاء، فلم الأنين؟ ولم الجزع؟ لقد كنت قدمت إليك بالوعيد، فلماذا يشكو المسافر الذي وجد الجو صافيا وشعاع قمر الليلة الرابعة عشرة؟ ولم يضيق قلب الظمآن الذي بلغ الماء الزلال؟ لقد رأيت من وعيدي الكرم الذي كان على تلك السماحة، والملك الذي سدّ طريق زواله، وانقطعت عنك أنفاس وساوس الشياطين، ووجدت بضاعة الحلم الذي رأيته قيمتها التامة في سوق التحذير، فلم أودع لك في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015