شَارف حَاج الْيمن الْوُصُول إِلَى مَكَّة أنفذ الشريف إِلَيْهِ رَسُولا يَقُول لَهُ إِن الْأَمر مُضْطَرب وَالْحَال مُنْقَلب والمحمل الْمصْرِيّ منطو على شراسة وَمَعَهُ عدَّة من ذَوي المناصب والإمارة والسياسة وَقد استنشقنا مِنْهُم سموم التحرش الْوَقَّاد وأنسنا من جَانب طورهم نَار الْإِلْحَاد وَهَذَا حرم الله الملحوظ بِعَين التَّعْظِيم وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم فالوصول مِنْكُم فِي زِيّ الْإِمَارَة قد تحترك مَعَه النَّفس الأمارة والموافق دخولكم فِي غمار النَّاس واستنادنا إِلَى جَانب السلطنة يَقْتَضِي أَن لَا يُلَاحظ جانبكم وَلَا نشيد فِي الظَّاهِر صَاحبكُم وَالْعَمَل فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنكُم على الْبَاطِن معمور فَإِن الْمَذْهَب وَاحِد والعمدة على الْمَقَاصِد وَقد علمْتُم بصنع حمود فَلَا يكن غَيره الْمَقْصُود فتصاب غير الْمقَاتل وَيصدق قَول الْقَائِل

(وحملتني ذَنْب امرء وَتركته ... كَذَا العر يكوي غَيره وَهُوَ راتع)

فولج هَذَا التَّدْبِير إِلَى مسامع الْأَمِير وأطرح الأبهة الملوكية وَاسْتقر بعد دُخُوله فِي الشبيكة على صُورَة خُفْيَة وَلما طرح الْعَسْكَر السلطاني الأثقال وأناخ بالْمقَام الشريف الرّحال انْصَرف الْأَعْيَان بِبَعْض الْجنُود إِلَى دور الشريف حمود وَقد كَانَ مَال عَن طَرِيق مرورهم وانحاز وتجلى بأجلد أعيانه إِلَى مشرق الْحجاز فتوغل فِي بِلَاد خَيْبَر فِي الأغوار والأنجاد وانتقل من بطُون الوهاد إِلَى صهوات الأطود وراوح بَين سوء الظَّن والحزم وَقد كَانَا أَخَوَيْنِ وناجى نَفسه بالبيتين الفائقين بل القصرين الشاهقين

(إِذا خَلِيل نكرت جَانِبه ... لم تعييني فِي فِرَاقه الْحِيَل)

(فِي سَعَة الْخَافِقين مُضْطَرب ... وَفِي بِلَاد عَن أُخْتهَا بدل)

وَلما خَرجُوا عَن آخر أَعمال الْحَج عَادوا إِلَى طلب حمود فِي كل فج وَلم يعذروا سَعْدا عَن الرحيل ليَكُون أول مقَاتل وأكيس دَلِيل فَهُوَ أطعن هُنَاكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015