الحفظ وأثره في تكوين الملكة الشعرية

أما ثقافة ابن خلدون فكانت العامل الثاني في توجيه أحكامه وآرائه النقدية، وأعني بالثقافة هنا - على وجه الخصوص - محفوظات الرجل في مختلف الموضوعات، فقد أشار عليه أستاذه أبو عبد الله محمد بن بحر بحفظ الشعر، فحفظ " كتاب الأشعار الستة والحماسة للأعلم وشعر حبيب وطائفة من شعر المتنبي ومن أشعار كتاب الأغاني " (?) ، واجتمع إلى هذا ما حفظه من القرآن والأحاديث والعربية الفقه وما في بعض هذه العلوم من المتون كقصيدتي الشاطبي الكبرى والصغرى في القراءات (?) ، وان كان يقر بأن محفوظه كان قليلا (?) ؛ ولكن هذه القلة كانت هامة في ذاتها، فإن اقتصاره مثلاً على كتاب الأغاني (في باب الكتب الأدبية) جعل لهذا الكتاب منزلة خاصة في نفسه حتى قال فيه: " فإن ذلك الكتاب هو كتاب العرب وديوانهم وفيه لغتهم وأخبارهم وأيامهم وملتهم (?) العربية وسيرتهم وآثار خلفائهم وملوكهم وأشعارهم وغناؤهم وسائر مغانيهم، فلا كتاب أوعب منه لأحوال العرب " (?) ومثل هذا الحكم - الذي يمكن ان يرد في غير موطن - لا يصدر إلا عن قلة المحفوظ.

غير أن المحفوظ أياً كان مقداره هو الذي قدم لابن خلدون فكرة ثابتة حول طبيعة الصناعة الأدبية من شعر أو نثر. وقد أبتدأ ابن خلدون من واقع الثقافة في عصره، فرأى أن الإنشاء " ملكة " لم تعد تتكون سليقة لان الناس يتعلمون اللغة تعلماً، وأن العامل الذي يكون تلك الملكة هو " الحفظ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015