ذم حشد المعاني في البيت الواحد

وكذلك اخذ ابن خلدون عن أشياخه نفورهم من حشد المعاني وتزاحمها في البيت الواحد، مؤثرين السهولة والتبسيط والشعر الذي تسبق معانيه ألفاظه إلى الذهن؛ أما كثرة المعاني في البيت فذلك نوع من التعقيد، والتعقيد شيء كرهه نقاد الأندلس حتى حازم القرطاجني؛ وكان أشياخ ابن خلدون لذلك يعيبون شعر أبي إسحاق ابن خفاجة شاعر شرق الأندلس لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد (?) .

الالتزام بطريقة العرب وخروج المتنبي والمعري عنها

وليس أدق في تصوير الذوق العام في الأندلس لدى شيوخ ابن خلدون وغيرهم من أهل الصناعة الأدبية، من قولهم " أن نظم المتنبي والمعري ليس هو من الشعر في شيء لانهما لم يجريا على أساليب العرب من الأمم " (?) ؛ ولم يكن هذا نابعاً عن عداء للفلسفة، بمقدار ما كان ناجماً عن ذوق يتجه نحو الربط بين الشعر والسهولة المطلقة، وهو رأي ربما كان ترجمة مشوهة لقصر " الشعر " على أمثال البحتري، وتسمية كل من المتنبي وأبي تمام " حكيماً) ؛ وهذا لا يدل على ان الذوق بعد حازم قد أصابه انحسار، وإنما يدل على أن وقفة حازم - في النظر إلى المتنبي - كانت خارجة عن الذوق العام في الأندلس والمغرب، ومنذ أن خفت حدة المحاكاة للمتنبي والمعري بعد عصر المرابطين والطوائف، اصبح النموذج الشعري العالي هو " الصورة الغريبة " - المرقص - كما رأينا عند ابن سعيد والشقندي وأضرابهما، وذلك أيضاً هو مقياس الذوق في المشرق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015