للكاتب فيقبح أن يستكثر منها لأنها من محسنات الكلام ومزيناته، فهي بمثابة الخيلان في الوجه يحسن بالواحد والاثنين منها ويقبح بتعدادها " (?) ؛ وإذا كان هذا هو رأي الشيوخ من الزاوية النظرية فان ابن خلدون طبقه من الناحية العملية حين اختار الأسلوب المرسل، قال حين جعله السلطان أبو سالم كاب السر: " وكان أكثرها يصدر عني بالكلام المرسل، ان يشاركني أحد ممن ينتحل الكتابة في الأسجاع، لضعف انتحالها، وخفاء العالي منها على اكثر الناس بخلاف المرسل، فانفردت به يومئذ، وكان مستغرباً عندهم بين أهل الصناعة " (?) . وقد يقال ان ابن خلدون شعر انه لا يستطيع أن يبلغ في النثر المسجع شأو ابن الخطيب الذي كان بشهادته " آية من آيات الله في النظم والنثر " (?) ، ولكن المسالة ابعد غوراً من المنافسة الفردية، فابن خلدون لا ينكر ان في الأسجاع نسقاً عالياً، ولكنه قليل، ولذلك ذاق ذراعاً بالتكلف الذي كان يحيل الكتابة الإنشائية إلى ألفاظ منمقة دون محصل معنوي " فتنحل بالإفادة من اصلها وتذهب بالبلاغة رأساً ولا يبقى في الكلام إلا تلك التحسينات، وهذا هو الغالب اليوم على أهل العصر " (?) وابن خلدون يؤمن أيماناً عميقاً بقيمة الفكرة، ولهذا فهو لا يرضى ان يبددها في ضباب كثيف من المحسنات اللفظية، ومن ثم عد دخول الصنعة في الكتابة الديوانية بداية الفساد فيها، واتهم الصابي بأنه أول من سلك هذا الطريق واتبعه فيه الكتاب " وإنما حمله عليه ما كان في ملوكه من العجمة والبعد عن صولة الخلافة المنفقة لسوق البلاغة؛ ثم انتشرت الصناعة بعده في منثور المتأخرين ونسي عهد الترسيل وتشابهت السلطانيات بالاخوانيات والعربيات بالسوقيات واختلط المعري بالهمل " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015