مجال الشعر والنقد؛ فقد يتوقع المرء أن يجد لدى شخص مهتم بالثقافة الفلسفية مثل عبد اللطيف البغدادي أثراً ما لكتاب الشعر، ولكنه يفاجأ إذ يجد هذا الرجل في ميدان النقد مهتماً بتلخيص كتاب " العمدة " لابن رشيق. وربما توقف المرء طويلاً عند قول رجل حاد الذكاء قوي الاعتداد بالنفس مثل ابن الأثير وهو يقول في كتابه: المثل السائر: " إن سلمت إليك أن الشعر والخطابة كانا للعرب بالطبع والفطرة فماذا تقول فيمن جاء بعدهم من شاعر وخطيب تحضروا وسكنوا البلاد ولم يروا البادية ولا خلقوا بها، وقد أجادوا في تأليف النظم والشر، وجاءوا بمعان كثيرة ما جاءت في شعر العرب ولا نطقوا منه، قلت لك في الجواب: هذا شيء لم يكن، ولا علم أبو نواس شيئاً منه ولا مسلم بن الوليد ولا أبو تمام ولا البحتري ولا أبو الطيب المتنبي ولا غيرهم، وكذلك جرى الحكم في أهل الكتابة كعبد الحميد وابن العميد والصابي وغيرهم؛ فإن ادعيت أن هؤلاء تعلموا ذلك من كتب علماء اليونان، قلت لك في الجواب: هذا باطل بي أنا، فإني لم أعلم شيئاً مما ذكره حكماء اليونان، ولا عرفته، ومع هذا فانظر إلى كلامي؟. وإذا وقفت على رسائلي ومكاتباتي - وهي عدة مجلدات - وعرفت اني لم اتعرض لشيء مما ذكره حكماء اليونان في حصر المعاني علمت حينئذ ان صاحب هذا العلم من النظم والنثر، بنجوة من ذلك كله، وانه لا يحتاج غليه أبداً؟. ولقد فاوضني بعض المتفلسفين في هذا وانساق الكلام إلى شيء ذكر لأبي علي بابن سينا في الخطابة والشعر، وذكر ضرباً من ضروب الشعر اليوناني يسمى " اللاغوذيا " وقام فاحضر كتاب " الشفاء " لأبي علي ووقفني اليوناني يسمى " اللاغوذيا " وقام فأحضر كتاب " الشفاء " لأبي علي ووقفني على ما ذكره فلما وقفت عليه استجهلته فإنه طول فيه وعرض كأنه يخاطب بعض اليونان، وكل الذي ذكره لغو لا يستفيد به صاحب الكلام العربي شيئاً " (?) .