ويفيد هذا النص الذي نقلناه عن ابن الأثير أموراً كثيرة، منها أنه كان في البيئة المشرقية من يؤمن بما قاله ابن سينا نقلاً عن اليونان، ولكن صوت مثل هذا المثقف، قد ضاع إزاء صوت ابن الأثير، وأن ابن الأثير كان يعتقد أنه لا حاجة بالنقد إلى كل ما قاله مفكرو اليونان - ما دام الشعر العربي هو مجال الحكم - وان الشعر العربي قد جرى في طريقه حتى عصر ابن الأثير، دون ان يكون للفكر اليوناني أثر في تكييفه واتجاهاته؛ وان ابن سينا - إذ يتحدث في النقد - يجهل الطبيعة العربية، ويتحدث إلى أهلها كأنه يتحدث إلى بعض الاعاجيم الغربيين عنها؛ ولا يستطيع أحد أن ينكر على ابن الأثير كثيراً مما قاله، لأنه كان يدرك إدراك الأديب المستقل في منحاه أن المقاييس اليونانية التي تمثلت في ترجمات كتاب الشعر وملخصاته لم تستطع أن تكون ذات تأثير في تيار الشعر العربي، ولكنه لم يسال نفسه: هل كان تيار النقد النابع من التصورات العربية الأصيلة قادراً على أن يؤثر في وجهة الشعر أيضاً؟ أعني: إلى أي حد استطاع النقد كله - ومن جملته نقد ابن الأثير - أن يكون ذا أثر موجه في حياة الشعر أو النثر؟

العودة إلى الينابيع العربية

ولذلك كانت العودة إلى الينابيع العربية في النقد من أشد ما يميز التيار النقدي في مصر والشام والعراق - في هذه الفترة - وأن تكون تلك العودة قائمة على الاختيار المحدد لمصادر معينة من تلك الينابيع. فابن الأثير لم يجد ما ينتفع به من جميع ما يمثل التيار العربي في النقد سوى كتاب " الموازنة " للآمدي، و " سر الفصاحة " للخفاجي - مع الإشارة إلى أن الموازنة " أجمع أصولاً وأجدى محصولاً " (?) . وأسامة بن منقذ لا يجد ما يمثل النقد سوى العودة إلى المصادر السابقة وتلخيص ما فيها وترتيبه، ونعني بالمصادر السابقة ما أعان على رسم صورة للمحسنات الشكلية مثل " البديع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015