صعوبة التخلص من تأثير قدامة
كذلك وجد حازم نفسه مضطراً إلى أن يوفق بين رأيه الخاص فيما يستحق المدح أو الذم من الأفعال وبين رأي قدامة، وخلاصة رأي حازم الذاتي في هذا الموضوع أن إيثار النفس على البدن، ثم إيثار الغير على الذات هما الموضع الطبيعي للمدح (?) ، (وضدهما للذم) - وهذا الإيثار غاية ما تستطيع تحقيقه الإرادة الإنسانية؛ أما خلاصة رأي قدامة فهو أن المدح يتم بالفضائل الأربع الكبرى وهي: العقل والعفة والعدل والشجاعة؛ ومع أن التناقض هنا غير واضح بين رأيي الناقدين فإن الإيثار معلم ذاتي بينما الفضائل الأربع مقياس اجتماعي؛ نعم ان الإيثار قد يكون محطاً لإكبار المجتمع، ولكنه أصعب من ان يصبح مقياساً عاماً؛ والإيثار أليق بمنهج حازم لأنه - وان ذكر المدح في شعره تقليداً للنقاد السابين - جعل أهم موضوعات الشعر هي المشاعر والمناظر والمسموعات ومواطن السرور ثم الأحوال الشاجية كالفرقة بعد اللقاء وتشكي الزمان والأمور المفجعة التي تذكر بالفناء وفساد العالم ومصير الناس؛ نعم إنه لم ينف المدح من قواعده أو شواهده، ولكن المدح لا يقوم في نطاق نظرية حازم إلا ان يكون وليد أحد طرفي البواعث التي هي الإطراب والآمال، فالمدح (أي شعر المدح) واحد من الأمور التي قد يولدها الأمل، ولكنه لا يحتل في نظرية حازم مقاماً عالياً بالنسبة للموضوعات الأخرى التي هي أعلق بالنفوس الإنسانية.