أثر ابن سينا
والحقيقة أن حازماً أفاد في نقده كثيراً من ابن سينا، وفي شرحه التعميمي للمحاكاة ما قد يدل على انه كان فاهماً لهذه النظرية، ولكنه لم يستطع إلا أن يحصر أمثلته عليها في جانب التشبيه؛ كذلك قدم له ابن سينا مفهوماً واضحاً للفرق بين الشعر العربي واليوناني، ومهد له أن يقول إن أرسطو لو عرف الشعر العربي لزاد كثيراً في أحكامه، ومهما نتحفظ إزاء هذا القول فأنا لا نملك إلا أن نقول: لو أن هذا القدر من الشعر الغنائي كان معروفاً لأرسطو لعدل في نظرية المحاكاة أو لاضعاف إليها؛ وعن طريق التأثر بالفلسفة استطاع حازم أن يحل مشكلة الصدق والكذب في الشعر، بعد ان طال القول فيها لدى من سبقه من النقاد.
وخلاصة القول أن حازماً يمثل المزح بين التيار اليوناني والتيار العربي في النقد بعد أن ظلاً منفصلين مدة طويلة، وهو رغم اعتماده على هذين المصدرين استطاع ان يرسم منهجاً متكاملاً لموقف نقدي محدد المعالم.
بيان مصطلح حازم في كتابه
ولا أرى باساً في ختام هذا الفصل في أن أوضح المصطلح الذي استعمله حازم في فصول كتابه، وان يكن ذلك المصطلح غير داخل على وجه الدقة في مفرماته النقدية؛ سمى حازم كتابه " منهاج البلغاء وسراج الأدباء " وجعل عنوانات الفصول والفقرات هكذا على التوالي: منهج - معلم - إضاءة - تنوير - معرف - مام. وهي اصطلاحيات تعيد إلى الذهن محاولة صاحب الريحان والريعان. فالمنهج (أو المنهاج) هو الطريق الواسعة ولذلك كان كل فصل بهذا العنوان (في الإبانة عن ماهيته) ، وعلى طول هذا الطريق " معلم " أي إشارة تدل على (طريق العلم) و " معرف " أي إشارة تدل إلى شئون الذهن والقواعد المتصلة بالتفريعات المنطقية، وان المعرف يدل في