على أنا إذا نظرنا نظرة تفصيلية إلى الشعر من زاوية الصدق والكذب وجدنا الصدق يتعين في أحوال منها تحسين حسن ليس له نظير، فهذا يجب أن تكون الأقوال فيه صادقة، وتقبيح قبيح ليس له نظير، وهو في حكمه كالاول، وتحسين حسن له نظير، ويقع الصدق فيه كثيراً وخاصة لأنه يعتمد مبدأ التوسط في المحاكاة، وتقبيح قبيح له نظير، وهو كسابقه، أما من ناحية الكذب فالقول قد يبنى على الاختلاق الإمكاني كأن يصف الشاعر حبه وشجاه من غير أن يحب أو يحس بالشجى، وهذا لا يعلم كذبه من ذات القول، ولا يحكم عليه بالكذب، وقد يبنى على الاختلاق الإمتناعي والإفراط الإمتناعي والإستحالي وفي هذه جميعاً يكون القول كاذباً. أما الإفراط الإمكاني فلا يتحقق ما هو عليه من صدق أو كذب لا من ذات القول ولا من بديهة العقل، ولذلك لا يوصف بالكذب.
يتبين من هذا إن الأقاويل الشعرية بعضها واقع (حاصل) وبعضها مختلق، وكلا القسمين يكون في ثلاث حالات اقتصار أو تقصير أو إفراط، فالأقاويل الحاصلة صادقة في حالي الاقتصاد والتقصير، وما كان إمكانياً فإنه يتحمل الصدق والكذب، ثم تكون الأصناف التالية كاذبة: الحاصل الممتنع، والحاصل المستحيل، والمختلق المقصر، والمختلق الاقتصادي والمختلق الإمكاني، والمختلق الإمتناعي، والمختلق الإستحالي.
وإذا أنعمنا النظر في هذا الإحصاء وجدنا أن ما يدخل فيه الكذب أكثر عدداً مما يدخله الصدق، إلا إن حازماً بعد هذا كله يرجع من حيث بدأ فيرى أن الاعتبار في الشعر ليس بالنظر إلى الصدق والكذب بل بالنظر إلى التخييل، وأن الصدق والكذب أمران يرجعان إلى المفهومات لا إلى الدلالات، بل يخطو خطوة أبعد فيزعم أن الصدق أقدر على التحريك من الكذب، إذ التحريك في الصدق عام والتحريك في الأقوال الكاذبة خاص، ولخصوصيته كان ضعيفاً؛ ومن ثم فإن الصدق في المواد الشعرية أفضل. ويستنتج من