البرهان في العلم. وسمى هذا التخييل باسم المحاكاة، وان المحاكاة لذلك أهم عنصر في الشعر، ولكنها ليست عنصراً في الخطابة، إذ تقوم الأقاويل الخطابية على الإقناع فهي صادقة بالمساواة (أي أن الصدق والكذب فيها متساويان) ؛ ولكن حازما ذهب من الأسس التي وضعها - أو صاغها - الفارابي في منحى آخر. فالخطابة تقوم حقاً على الإقناع ولكنها تعتمد على تقوية الظن لا على إيقاع اليقين ومن ثم كانت غير صادقة إلا أن عدل بها عن الإقناع إلى التصديق؛ أما التخييل في الشعر فإنه - كما قال الفارابي - قد ينقل الشيء على ما هو عليه أو يخيله على غير ما هو عليه، فهو أحق بأن يقال فيه: إن مقدماته تكون (إذا نقل الشيء على ما هو عليه) صادقة وتكون (إذا خيل الشيء على غير ما هو عليه) كاذبة (?) . وبعد أن يحدد حازم طبيعة السولوجسموس الشعري وهو أنه يرد دائماً محذوف إحدى المقدمتين أو النتيجة لأنه لا حاجة به إلى الإطالة في التفصيل (إذ في قوة القول نفسه ما يدل على المحذوف) يتجه حازم إلى القول بأن ما كان من الأقاويل القياسية مبنياً على تخييل وفيه محاكاة فهو قول شعري سواء كانت مقدماته برهانية أو جدلية أو خطابية، يقينية أو مشتهرة أو مظنونة؛ وعلى هذا فالقول الشعري يقبل من الخطابة بمقدار، ويظل على ذلك قولاً شعرياً.

فالأقاويل الصادقة تقع في الشعر ولكنها لا يصح أن تقع في الخطابة لان الإقناع بعيد من التصديق، إذ هو مبني على الظن الغالب، والظن مناف لليقين (?) . وقد تقع فيه الأقاويل الكاذبة لأنه قد يبدأ بمقدمات مموهة وهو شعر في الحالين، لأنه لا يسمى شعراً بمقدار ما فيه من عنصري الصدق والكذب وإنما بمقدار ما فيه من محاكاة أو تخييل (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015