المصلح المنتظر ناقد يجمع بين الثقافتين

الشعر والنقد كلاهما قد انحدر إلى الحضيض؛ ولابد لهما من امرئ مؤمن بهما معاً ينقذهما من هذا الانحطاط الذي ترديا في مهاويه، وهذا الإنقاذ لا يحسنه إلا ناقد يستطيع ان يجمع بين الثقافتين: العربية واليونانية، فإن الشعر بعد اليوم لا يستطيع أن يعتمد على رجل واحدة، بل لابد له، كما حاول النقاد في العصور السابقة، من رجلين اثنتين، وبدأ حازم من هذا الموقف يرسم الطريق التي يعتقد صحتها، وهو ينطلق من موقف إصلاحي، وإن كنا نحس ان حماسته للإصلاح لم تكن لتخفي عنه " يلقي ترنيمه في أرض غريبة "، وإمامه تراث كبير من النقد القائم على الطريقة العربية، وبين يديه تلخيص ابن سينا لكتاب الشعر، ومن المزاوجة بين هذين التراثين، حاول أن يرسم " منهاجاً " للبلغاء وان يوقد " سراجاً " للأدباء؛ وحين نظر في كتاب الشعر كما لخصه ابن سينا أزداد اقتناعاً بان القواعد اليونانية وحدها لا تستطيع ان تستغرق الشعر العربي، بالحكم والتفسير، وكان ابن سينا نفسه هو الذي أوحى غليه بذلك، ولهذا آمن بان الحكيم أرسططاليس، رغم عنايته بالشعر وكلامه على قوانينه، قصر أحكامه على أشعار يونان، وهي محدودة الأغراض والاوزان، تدور على خرافات موضوعة، يهدفون منها إلى أن تكون أمثلة لما قد يقع في الوجود، ولهم طريقة يذكرون فيها انتقال أمور الزمان وتصاريفه وتنقل الدول، ولكن ليس لديهم تشبيه الأشياء بالأشياء، وإنما لديهم التشبيه بالأفعال لا في ذاتها، ولو أن أرسطو عرف الحكم والأمثال والاستدلالات واختلاف ضروب الإبداع في الشعر العربي لكان بحاجة إلى التوسع في القوانين التي وضعها؛ إذن فالطريق مهيأ أمام حازم ليزيد على ما جاء به أرسطو، وهذا أيضاً من وحي ما اقترحه ابن سينا، فإنه ختم تلخيصه بقوله " ولا يبعد أن نجتهد نحن فنبتدع في علم الشعر المطلق وفي علم الشعر بحسب عادة الزمان كلاماً شديد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015