الذي يرسم صورة الشعر دون حقيقته، واستنكف الذين يعرفون قدر الشعر عن أن يسلكوا أنفسهم في هذه الموجة من الانحطاط الفني، خوفاً من أن يظن الناس أن الفريقين - من النظامين والشعراء - على مستوى واحد، بل لعلهم ظنوهم كذلك، فعاملوهم بنفس القدر من الاستهانة، وشاع بين الناس أن الشعر زور وكذب، جهلاً منهم بحقيقة الشعر أيضاً، أو حسداً للشعراء أدى بهم إلى تنقص الشعر والزراية به، وبهذا لم يفقد الناس تقديرهم للشعر وحسب، بل انهم فقدوا الهزة التأثرية عند سماعه (?) .

وبضياع النقد

وأما النقد فإنه صناعة سحب عليها الخمول أذياله، ولهذا يحس حازم باليأس من الاستقصاء فيه، لان العناية بالشيء تكون على قدر المستفيدين، وقد اصبح المستفيدون قلة، هذا مع أن " النقد " أو " تعليم صناعة الشعر " أمر لا يستغني عنه عصر من العصور، حتى العرب على ما اختصت به من جودة الطباع في عصور ازدهار الشعر لم تكن تستغني في نظم القصائد عن التعليم والإرشاد، والتنبيه على العيوب وعلى الجهات التي قد تدخل منها. والدليل على ذلك أن كل شاعر ناشئ كان يلزم أحد الشعراء المحنكين، ويتعلم منه قوانين النظم ويتدرب على يديه في شئون البلاغة؛ أما في عصر حازم فإن الذي يريد أن يتقن الفن الشعري يرى أن طبعه يهديه إلى ذلك دون حاجة إلى معلم، فإذا أتقن الكلام الموزون المقفى ظن انه قد أصبح واحداً من الفحول، ذلك لأنه يعتقد " أن الشعرية في الشعر إنما هي نظم أي لفظ اتفق كيف اتفق نظمه، وتضمينه أي غرض اتفق، على أي صفة اتفق، لا يعتبر عنده في ذلك قانون ولا رسم موضوع " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015