طرح النقاد بعد أبن رشد جانب الأخلاق وتمسكوا بالموقف الدفاعي

ومع أن أبن رشد حاول أن يجعل لكتاب الشعر فائدة عملية، لدى كل من الشاعر والناقد، فإن أكثر الذين تحدثوا عن قضايا الشعر من الأندلسيين في القرن السابع لم يلتفتوا إلى ما صنع، وغلبت عليهم نزعة التأريخ الأدبي القائم على التصنيف أولاً ثم على قاعدة بسيطة من النظر النقدي؛ وبما أن أكثرهم هاجروا من موطنهم إلى بلاد أخرى فإن النزعة الدفاعية عن الأندلس وأدبها استقوت لديهم، كما قوي إحساسهم بالفوارق القائمة بين الشعر الأندلسي والشعر في الأقطار الأخرى، فهم من هذه الناحية استمرار للتيار الذي بدأه أبن حزم وتابعه فيه أبن بسام، ولكنهم طرحوا النظرة الأخلاقية جانباً وتعلقوا بنظرة فنية قائمة على تذوق " الصورة الشعرية ".

الشقندي ورسالته في المفاضلة بين الأندلس والمغرب

وفي طليعة هؤلاء أبو الوليد إسماعيل بن محمد الشقندي (?) (- 629) ولم يكن من المهاجرين، ولكن إثارة المقارنة بين الأندلس والمغرب في الشعر والمآثر عامة هي التي حفزته إلى وقفته الدفاعية. فقد تنازع مع أبن أبي يحيى أبن المعلم الطنجي حول أي العدوتين أفضل، في مجلس أمير سبتة أبي يحيى أبن أبي زكريا، فطلب الأمير إليهما أن يعمل كل واحد منهما رسالة في تفضيل بره؛ فكتب الشقندي رسالة أفتخر فيها بعظماء الملوك والعلماء والمؤرخين والبلاغيين من الأندلس وبالكتب الأندلسية، ثم أخذ يعدد أكابر الشعراء أمثال أبن زيدون وأبن وهبون وأبن دراج، واستشهد بقطع متميزة للأندلسيين بعضها في ذكر الغربة والعفة وجمال التشبيه وصفة الخمرة ووصف الرياض والغزل والهجاء وغير ذلك من موضوعات الشعر، وافتخر ببعض النساء الشواعر، حتى إذا انتهى من ذلك عرج على ذكر الفرسان وشمائل الأندلسيين وفضائل إشبيلية وقرطبة وجيان وغيرها من المدن، فما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015